لا أظن أن العلاقات الدولية في التجارة والاستثمار، بعد فيروس كورونا، ستستمر كما هي مثل ما كانت عليه قبل الفيروس المشؤوم. هذا وإن كانت إرهاصات ذلك التحول والتبدل في تلك العلاقات قد بدأت الظهور في السنوات الأخيرة، وبالذات بعد وصول الرئيس الأميركي السيد دونالد ترمب لكرسي الرئاسة، وصراعه مع الجميع، بدءًا بجيرانه في الشمال والجنوب، ومروراً بدول الاتحاد الأوروبي، وليس انتهاء بالصين العنيد القادم بقوة على الساحة الاقتصادية. بحكم الأثر السلبي والسيئ الذي سيتركه ذلك الفيروس على جميع جوانب الاقتصاد، سارعت الكثير من الدول بالعمل على لملمة جراحها، وبذل كل ما تستطيع لدفع عجلة اقتصادها. قدمت البرامج وتبنت المبادرات للدفع بالحركة التجارية والاستثمارية التي هي وقود الاقتصاد. كانت بلادنا، حفظها الله، في مقدمة تلك الدول، حيث أعلن وزير المالية وزملاؤه الآخرون في الوزارات ذات العلاقة توجيهات القيادة، حفظها الله، بتقديم حزمة من التسهيلات، وتنفيذ عدد من الإجراءات للتخفيف عن كاهل القطاع الخاص، الذي هو محرك الاقتصاد، كي يستمر في مشروعاته وبرامجه، إذ إن توقف ذلك القطاع، أو ضعفه، سينعكس سلباً، ليس على ملاك ذلك القطاع ومستثمريه فقط، بل له انعكاسات من الناحيتين الاجتماعية والأسرية، حيث البطالة التي هي السوسة التي تنخر في جسم أي اقتصاد وقلبه. إلا أن الاهتمام بمعالجة الوضع في الداخل، يجب ألاّ يصرف الدول عن استقراء ما سيحدث على مستوى العالم، وتحديداً في علاقاتها التجارية والاستثمارية. ستراجع كثير من الدول تلك العلاقات وأسلوبها في التعاطي مع غيرها من الدول. يبدو أن ما سمي بالعولمة وما تبعها من حرية مطلقة للتجارة سيكونان تحت تجاذبات ونقاشات خلال الفترة القادمة، وإن كان النقاش لم يغب حولهما يوماً ما، إلاّ أن حدة النقاش والتفكير بالمراجعة والتقويم، ستكون هي الأبرز على الساحة. وهذا يحتم علينا التفكير جدياً في هذا الموضوع، ما سيلقي عبئاً كبيراً على أجهزتنا الحكومية ذات العلاقة، التي يبدو أنها مثقلة بأعمالها اليومية، مما يؤكد الحاجة إلى أهمية إيجاد مراكز للفكر الاستراتيجي، مثلما كان يطالب الكثير بذلك، تكون أكثر مرونة، وأقدر تخصصاً، وأسرع استجابة للتعاطي مع مثل هذه الموضوعات.