البترول يحكم العالم وهذا ما كشفته أزمة انهيار اتفاقية أوبك+، وأظهرت الأزمة مدى الثقل الاستراتيجي السياسي النفطي الكبير الذي تمثله المملكة في أمن الطاقة العالمي واستقرار أسواقه البترولية فهي الأكبر انتاجاً وتصديرا واحتياطا ومخزونا وطاقة فائضة للبترول في العالم، والمملكة تشدد لهجتها وتعيد كلمتها الراسخة الوضوح لروسيا وبشدة بأن لا مناص من اتخاذ المملكة أقوى السبل لردع السوق المضطرب وردع السياسات البرغماتية الأنانية التي تسعى لمصلحتها الشخصية بينما العالم يمر بأصعب الكوارث والمحن غير مكترث الدب الروسي لما يحدث من دمار لأسوق النفط واقتصادات العالم في ظل جائحة كورونا والتي اتضح فيما يبدو تخبط الطاقة الروسية في إدارتها النفطية وعقليتها المتناقضة المترددة المرجفة قليلة الخبرة في تصريف شؤون نفطها وتجرؤها بإلقاء اللوم على السعودية وفيروس كورونا في انهيار أسعار النفط وعدم تمديدها اتفاق أوبك+ وانسحابها منه وإغراق السوق لدحر النفط الصخري الأميركي. على النقيض من الفكر الروسي الجاحد لعظيم صنيع المملكة وتاريخها المشرف في لملمة عثرات سوق الطاقة العالمي ورأب تصدعاته واحتواء كافة مشكلاته واضطراباته بتضحياتها النبيلة المتكررة بمصالحها الاقتصادية مقابل دعم استقرار سوق النفط واقتصاد العالم بمبادراتها الطوعية بخفض المزيد من إنتاجها بأكثر من الحصص المحددة في اتفاقية خفض الإنتاج على مدى السنين الماضية والتي أثرت على عوائد وارداتها النفطية، ومع ذلك طالبت المملكة بشدة في آخر اجتماعات أوبك+ بتعميق خفض الإنتاج بإزاحة قدرة 1,5 مليون برميل في اليوم من السوق إلى 3.2 ملايين برميل في اليوم إلى نهاية 2020 بأمل إعادة شيء من توازن السوق الذي ازداد تدهوراً في معترك جائحة كورونا. في وقت لاقت بادرة المملكة بضرورة تعميق خفض الإنتاج قبولا عالميا عدا روسيا التي حضر وزير نفطها الاجتماع بلا هدف منسحباً قبل أن يدوي بمفاجأة العالم بعدم رغبة روسيا خفض المزيد من إنتاجها بل أعلن عن رغبتها زيادة إنتاجها بقدرة 500 ألف برميل في اليوم داعية روسيا جميع الدول للتحرر من اتفاقية خفض الإنتاج التي لا تخدم بزعمها سوى الصخري الأميركي، متسببة بتحطيم الاتفاقية التي أسهمت في تحقيق الكثير من التوازن والاستقرار لسوق النفط العالمي. المملكة تسعى بقوة لصناعة مستقبل الطاقة العالمي المشرق غير مكترثة بالتناقض الروسي وذلك اعتماداً على التقيد بمفهوم العمل الجماعي المشترك المسؤول لكافة الدول المصدرة للنفط وهو الشعار الذي لوح به وزير الطاقة صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزبز بن سلمان فور توليه وزارة الطاقة وفي أولى اجتماعات أوبك+.. أعلنها بحزم: "ليس هناك دول كبرى وصغرى في إنتاج النفط وكلنا شركاء متساوون"، مواجهاً سموه نظراءه وزراء طاقة أوبك بتشديد الإمدادات المطلوبة لتوازن السوق والتقيد باستمرارية الالتزام باتفاق خفض إنتاج النفط، مشدداً على أهمية الدور المشترك لكافة الدول في اتفاقية أوبك+ والتي تمثل تحالفا يضم 24 دولة من أوبك بقيادة المملكة ودول من خارج أوبك بقيادة روسيا والتي لم تكن تتلزم بالحصص التي تعهدت بخفضها في اتفاقية أوبك+. إلا أن المملكة بلغ بها السيل الزبى بعد أن وصلت فيها الأمور إلى حد لا يمكن السكوت عليه ونفد صبرها، ففي الوقت الذي قبلت فيه المملكة وساطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي ناشد المملكة أن تتخذ دورها المحوري والقيادي الحاسم في سرعة انتشال سوق النفط من الانهيار والعمل على إعادة الاستقرار للأسواق البترولية، الأمر الذي أخذته المملكة بمحمل الجد لتبادر على الفور بدعوة أوبك+ مجدداً لطاولة التفاوض، تفاجأت المملكة بصدمة روسية جديدة مخيبة للآمال. الأمر الذي دفع وزير الطاقة صاحب السمو الملكي الأمير عبدالعزيز بن سلمان بنفي ما ورد في تصريح وزير الطاقة الروسي يوم الجمعة الذي جاء فيه رفض المملكة تمديد اتفاق أوبك+ وانسحابها منه، إلى جانب خطواتها الأخرى أثرت سلباً على السوق البترولية. وأكد سموه، بأن ما ورد غير صحيح ومنافٍ للحقيقة جملة وتفصيلاً، مؤكداً سموه سياسة المملكة البترولية التي تقضي بالعمل على توازن الأسواق واستقرارها بما يخدم مصالح المنتجين والمستهلكين على حد سواء، مشيراً إلى أن المملكة بذلت جهوداً كبيرة مع دول أوبك+ للحد من وجود فائض في السوق البترولية ناتج عن انخفاض نمو الاقتصاد العالمي إلا أن هذا الطرح وهو ما اقترحته المملكة ووافقت عليه 22 دولة، لم يلقَ وبكل أسف قبولاً لدى الجانب الروسي، وترتب عليه عدم الاتفاق. في الوقت الذي تلقى العالم، بترحاب وثناء وتقدير، موقف المملكة النبيل الأصيل المتجدد بحملها أعباء سوق الطاقة المضطرب وسرعة استجابتها للوساطة الأميركية بقيادة زمام الأمور، مشيداً العالم بحسن إدارة البلاد لثرواتها الطبيعية من النفط الخام والغاز الطبيعي وتنظيم إنتاجها وإمداداتها واستهلاكها بما يضمن مخزونات واحتياطيات مستقرة مستدامة لتعزيز مصالح الاقتصاد العالمي برمته.