قُنبلة موقوتة أو محرقة عائمة، هكذا تصف الحكومة الشرعية اليمنية والمجتمع الدولي الناقلة النفطية «صافر» في سياق تصاعد حدة التحذير من أكبر كارثة بيئية وشيكة في العالم، قد تخلفها السفينة المحملة بأكثر من مليون و140 ألف برميل من النفط الخام قبالة سواحل الحديدة، جراء استمرار ميليشيا الحوثي الانقلابية بمنع الفرق الفنية الأممية من صيانة الناقلة المتهالكة. وترسو الناقلة النفطية «صافر» على بُعد 7 كيلو مترات قبالة ميناء رأس عيسى في مدينة الحديدة، التي لا تزال واقعة تحت سيطرة ميليشيات الحوثي الانقلابية رغم مرور نحو عامين على اتفاقية ستوكهولم التي نصت على انسحاب الحوثيين من مدينة وميناء الحديدة، وميناءي الصليف ورأس عيسى. من هنا تبدأ الكارثة وتتجسد مخاطر احتمال وقوع الكارثة الوشيكة في استمرار ميليشيات الحوثي بمنع فرق فنية تابعة للحكومة الشرعية والأممالمتحدة من الوصول إلى الناقلة للقيام بأعمال الفحص الفني والصيانة لها، وتشترط الحصول على ضمانات تمكنهم من الاستيلاء على عائداتها المقدرة ب80 مليون دولار. وزادت مخاوف الحكومة الشرعية اليمنية والأممالمتحدة والمجتمع الدولي خلال الأشهر الماضية، من احتمال انفجار الناقلة، إذ تتعرض للتآكل بسبب مياه البحر المالحة وتصاعد الغازات من النفط الخام الخامل والموزع في 36 خزانا غير ممتلئ، تتسع لأكثر من ثلاثة ملايين برميل نفط، وهو ما قد يعجل بالكارثة التي قد تبدأ بانفجار ضخم قد يدمر المرفأ والسفن في الموقع المحيط، مما قد يتسبب في واحدة من أكبر التسريبات النفطية في العالم. جريمة حرب حوثية وتستخدم ميليشيات الحوثي الانقلابية البيئة سلاحا للتهديد والمواجهة على نحو متعمد رغم ما قد يؤدي إلى حدوث أضرار جسيمة وطويلة الأمد على البيئة والسكان والأجيال القادمة، متحدية بذلك القانون الدولي الإنساني الذي يحظر استخدام البيئة باعتبارها سلاحًا للمواجهة بموجب نصوص البروتوكول الإضافي الأول 1977 لاتفاقيات جنيف. ومن خلال استخدام البيئة سلاحا للتهديد على نحو متعمد، تضيف ميليشيا الحوثي الانقلابية المدعومة من إيران، دليلاً جديداً على أنها ليست إلا عصابة مسلحة سطت على السلطة بالقوة وتشن حربا ممنهجة لتقويض الدولة وتدمير مقوماتها، وغير واعية لمسؤوليات الدولة في حفظ أمن وسلامة واستقرار المجتمع اليمني. ويورد النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية نصّا خاصّا بحماية البيئة تحديدًا في المادة 8 الفقرة عندما اعتبر أن الأعمال التي تلحق ضررًا واسع النطاق وطويل الأجل وشديدًا بالبيئة الطبيعية وتنتهك مبدأ التناسب هي جريمة حرب تستوجب المساءلة والعقاب. تقرير أممي في سبتمبر / أيلول المنصرم، أكد تقرير أممي أن ميليشيات الحوثي الانقلابية المدعومة من إيران، اعترضت على إرسال معدات وفريق تقييم من الأممالمتحدة في أغسطس من العام نفسه، بناءً على اتفاق مسبق معها. وفي تقريره لمجلس الأمن الدولي، عبّر وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ، مارك لوكوك، عن خيبة أمله جراء اعتراض الحوثيين على إرسال معدات وفرق فنية، وأشار إلى «أنَّ تقييم ناقلة النفط (صافر) المُخطط له منذ فترة طويلة، لم يحدث نتيجة اعتراض ميليشيات الحوثي. وأضاف لوكوك: «لقد عملنا بجد للتغلب على اعتراضات الحوثيين. لكن عندما أصبح من الواضح أنَّ إحراز أي تقدُّم مستبعد، لم يكن بوسعنا سوى إعادة أعضاء الفريق إلى منازلهم». ويقول مسؤولون يمنيون وخبراء فنيون: إن استمرار ميليشيات الحوثي بمنع وصول الفرق الفنية للناقلة يعزز من انسكاب وشيك لنحو 138 مليون لتر من النفط الخام الخامل في البحر الأحمر، أي أسوأ (بأربعة أضعاف) من كارثة ناقلة النفط (أكسون فالديز) في ألاسكا عام 1989، حينما تسرب النفط على ساحل ألاسكا المتقطِّع وكانت تأثيرات التسرب ونتائجه ضخمة وهائلة، وخلف وراءه أثراً فادحا على البيئة والاقتصاد الأميركي، ولم تتعاف المنطقة بالكامل بعد مرور ما يقارب 30 عاما. لكن ميليشيات الحوثي تبدو غير آبهة بمخاطر وآثار إنسانية واقتصادية وصحية وقوع أي كارثة بيئية نتيجة حدوث تسرب نفطي أو حريق في الناقلة (صافر) إذ تعجز دول أكثر استقراراً من اليمن على تحمل الآثار والتبعات المدمرة والأضرار الجسيمة لمثل هذه الكارثة. آثار قصيرة وطويلة الأمد وسيترك انفجار الناقلة آثارا بالغة وخطيرة على الاقتصاد اليمني وقطاع الثروة السمكية والثدييات البحرية والنباتات والطيور، فضلاً عن التأثيرات الناجمة عن التسرب على صحة أكثر من 6 ملايين شخص في الحديدة نتيجة أنهم سيتعرضون للغازات السامة. إذ أن حدوث اختلاط للغاز بمياه الأمطار قد ينتهي به المطاف في طبقات المياه الجوفية مما سيؤدي إلى التسمم البطيء والمشكلات الصحية طويلة المدى للسكان. وتشير التقارير الفنية بحسب الحكومة الشرعية اليمنية، إلى أن أي انفجار محتمل لنقالة النفط (صافر) قبالة سواحل الحديدة اليمنية، سيكلف مخزونات الصيد الاقتصادي اليمني 60 مليون دولار في السنة، ما يعادل 1.5 مليار دولار على مدى ال25 سنة المقبلة. ويعتاد نحو 500 ألف شخص في اليمن على العمل في مهنة الصيد لتغطية احتياجات عائلاتهم، والذي يقدر تعدادهم بأكثر من 1.7 مليون نسمة. غير أن كارثة النفط الوشيكة في الحديدة بسبب منع الحوثيين لفرق الصيانة من الوصول إليها، سيؤدي إلى تعطيل مهنة الصيد، ويجعل أكثر من مليون و700 ألف شخص بحاجة ضرورية إلى مساعدات غذائية، فيما سيستغرق مخزون الأسماك 25 عاما للتعافي. كما أن تسرّب النفط من الناقلة سيتسبب بإغلاق ميناء الحديدة، لعدة أشهر، الأمر الذي سيؤدي إلى نقص الوقود والاحتياجات الضرورية، وارتفاع أسعار الوقود بنسبة 800 %، وهو ما سيضاعف من أسعار المواد والسلع الغذائية، ويدفع إلى تحويل العمليات لميناء عدن. علاوة على إن 4 % من الأراضي الزراعية المنتجة في اليمن ستغطى بالغيوم السوداء مما يؤدي إلى القضاء على الحبوب والفواكه والخضروات والتي تقدر قيمتها بحوالي 70 مليون دولار. ولعل الآثار الفورية لأي انفجار محتمل لنقالة النفط (صافر) ستشمل الوضع الإنساني، ليس فقط سكان محافظة الحديدة، حيث تقع الناقلة في سواحلها، بل سيتضرر سكان جميع المحافظات اليمنية، بالنظر إلى الأهمية الحيوية البالغة لميناء الحديدة باعتباره شريان حياة، حيث يستقبل نحو 70 % من واردات اليمن التجارية وتدخل منه شحنات الإغاثة والمساعدات الإنسانية، كما يعد المنفذ البحري الرئيس للعاصمة اليمنية الواقعة تحت سيطرة الميليشيا الانقلابية المدعومة من إيران. وفي هذا السياق، قال وزير الإعلام اليمني، معمر الإرياني: إن 58 منظمة إنسانية ستقوم بتعليق خدماتها في الحديدة في حال حدوث انفجار للنقالة وتسرب النفط الخام بداخلها، مما يعطل الخدمات عن 7 ملايين شخص محتاج، ويدفع أعدادا كبيرة من السكان إلى النزوح باتجاه مدن أخرى طلبا للمساعدات والخدمات، كما قد ينتقل 60 ألف مزارع وصياد من العمل في الساحل على مدار 12 شهرا بحثا عن العمل والخدمات. العالم مطالب بالتحرك ويؤكد محللون يمنيون أن التهديد الذي تشكله ناقلة النفط (صافر) في البحر الأحمر، يفرض على المجتمع الدولي والمنظمة الأممية، والدول المطلة على البحر الأحمر، واجب التحرك للضغط على ميليشيات الحوثي المدعومة من إيران، لتجنب وقوع واحدة من أخطر وأكبر الكوارث البيئية في العالم. وقالت رئاسة مجلس الوزراء اليمني: إن «الحياة البحرية والدول المشاطئة معرضة لخطر كبير في حال وقوع الكارثة» ولفتت إلى أنها خاطبت الأممالمتحدة مراراً لممارسة الضغط على ميليشيا الحوثي الانقلابية، للسماح بإجراء فحص فني وأعمال صيانة لخزان «صافر» العائم، بميناء «رأس عيسى».