لا شك أن فيروس كورونا أو الوباء العالمي الذي قذف الرعب في قلب منظمة الصحة العالمية وانتشاره في العالم دون سابق إنذار وتسبب بالتالي في خلق حالة من الهلع والخوف والرعب ليس في مجتمعنا فقط بل في دول العالم.. له انعكاسات اجتماعية وتداعيات أسرية حميدة، وعلى الرغم من خطورته على الصحة العامة للمواطنين، إلا أن هذا الفيروس نجح في إعادة روح التآلف والتلاحم بين أفراد الأسر السعودية التي بعضها كانت تعيش حالة من اللاتوازن بسبب شدة رياح التغيرات الاجتماعية والتحولات الاقتصادية والتحديات الثقافية خاصة مع بروز وظهور شبكات التواصل الاجتماعية التي تسببت في رفع سقف العزلة الاجتماعية والتباعد الأسري، الأمر الذي أسهم في غياب روح التلاحم الأسري والتضامن المنزلي، وتأصيل مبدأ الترابط والتقارب بين أفراد الأسرة، ولذلك نحن مع تنفيذ التعليمات الوقائية والتدابير الاحترازية التي اتخذتها حكومتنا الرشيدة - أعّزها الله - ومنها حث المواطنين على البقاء في منازلهم ومنع التجول لمدة 21 يومًا للحد من انتشار عدوى فيروس كورونا الجديد؛ ليس لأنها فقط تحافظ على صحة وسلامة الأسرة السعودية ومن يقيم على أرض الوطن..! بل ساعدت أيضًا على إعادة روح التلاحم وقيم الترابط بين أفراد الأسرة من جديد، وعودة أيضًا لم الشمل فأصبحت الأسر بمنازلها في وقت واحد.. وسط أجواء اجتماعية صحية كادت أن تندثر! تغمرها المشاعر الإيجابية من خلال إعادة ترتيب الجوانب (التربوية والحقوقية والحوارية والقيمية) في بيئتهم الحقيقية وليست الافتراضية بين الأبناء والوالدين داخل البناء الأسري بعد أن فقدت الأسرة الكثير من المعاني وقيمها السامية التي كانت تجتمع حولها، والأكيد أن الاجتماع الأسري على طاولة الطعام التي كانت شبه غائبة قبل دخول هذا الفيروس الكوروني لمجتمعنا - له فوائد عدة وانعكاسات إيجابية في استقرار الكيان الأسري (تربويًا ووجدانيًا ونفسيًا وسلوكيًا واجتماعيًا)، ومعروف وطبقًا للدراسات الاجتماعية الحديثة فإن اجتماع الأسرة على المائدة ولو مرة واحدة في اليوم يؤصل روح المودة والمحبة، ويرفع مؤشر لغة الحوار المنزلي في قالبه الإيجابي، وينمي المشاعر الوجدانية، ويحقق التوازن النفسي والانفعالي والسلوكي، ويعزز من قيم الوعي في نفوس ووجدان الأبناء، فضلاً عن تعويد الأطفال على أهمية وجود وقت للأسرة، وبالتالي يزيد من ارتباطهم بمفهوم الأسرة التي تشكل الأمان والحصن والاطمئنان للفرد، وكذلك زيادة شعور الأطفال بالمسؤولية تجاه وجودهم كأفراد ضمن هذه الأسرة، وارتباط الأخوة بعضهم ببعض؛ ولذلك من الأهمية بمكان أن تستثمر الأسرة أوقاتها مع الحجر المنزلي الوقائي (المؤقت) بما يعود عليها بالنفع والفائدة. ويمكن التخلص من (الطاقة السلبية) التي ظهرت على البعض بسبب عدم تعودهم على البقاء في المنزل من خلال مزاولة التمارين الرياضية مع الأبناء واستثمار الوقت في القراءة وتعويد الأبناء على حُب القراءة منذ الصغر.. والقراءة مفتاح المعرفة ومصدر الثقافة، وأيضًا إقامة أنشطة مسلية وبرامج ترويحية مع الأبناء في المنزل خلال فترة الحجر الصحي الأسري يوميًا كسرًا للملل وكسبًا للوقت بما يعود بالنفع على الصحة (العضوية والنفسية والاجتماعية والأسرية).