الأزمات والكوارث رغم آثارها المدمرة ونتائجها الوخيمة وما يصاحبها من خوف وترقب، إلاّ أنها تعيد صقلنا وتختبر قدراتنا وتعيد حساباتنا في كل مناحي الحياة، وجائحة كورونا العالمية التي لم يسلم منها أحد جعلتنا نصف الصفوف ونتدارك أمورنا وإمكانياتنا الصحية وإمكانياتنا واستعداداتنا في المواجهة وقوة البقاء والمقاومة، وهذه الأزمة التي ما زلنا نعيش أحداثها لحظة بلحظة جعلتنا أمام عدة دروس وعلى عدة مستويات؛ ولكن إذا تأملنا الجانب الاجتماعي رأينا فيه الكم الزاخر من الدروس التي ستعطينا خبرة حياة مستقبلية لا تقل أهمية عن الجانبين الصحي أو الاقتصادي. على المستوى الرسمي، رأينا السرعة في الحرص على سلامة الناس والعمل الدؤوب على تجنيبهم الإصابة بالمرض، ما حدا بصانع القرار كمرحلة أولى إلى إيقاف المدارس والجامعات، ثم تبعها تدريجيًا إغلاق الأسواق، ثم الإعلان عن إيقاف العمل في الدوائر الحكومية، وما تبع ذلك من دعوة أفراد المجتمع إلى البقاء في بيوتهم لسلامتهم ولعدم إعطاء الفيروس الفرص للانتقال بين الناس. والمتابعة الرسمية من كل القطاعات أعطت الناس تطمينات في وجود حرص منقطع النظير واحترازات أولية فاقت التوقعات، جعلت هناك ثقة كبيرة في التصريح الرسمي والتطلع الدائم للبحث عن المعلومات من مظانها ومصادرها الموثوقة من رجالات الصحة والإعلام المعتمدين. على المستوى الشعبي، كانت هناك استجابة كبيرة للقرارات، وتابعنا ردود أفعال الناس التي تمثلت في وعي مرتفع بأهمية سلامتهم وبالتقيد بإجراءات السلامة، والتقليل من الخروج من المنزل، وما تبع ذلك من البحث عن الأفكار الاجتماعية التي تقرب أفراد الأسرة بعضهم من بعض، وهذه فرصة سانحة لإعادة الود والدفء الأسري، واستغلال هذه الفترة لخلق روابط اجتماعية قوية بين الآباء وأبنائهم، من خلال الجلوس معهم أطول فترة ممكنة، وفتح الحوارات معهم. ومما يبهج أيضًا رأينا التصدي القوي للإشاعات والخرافات التي لا نفع منها ولا فائدة، فالمرض جائحة عالمية لم يسلم منها أحد، ولا يمكن لأحد استغلالها لمآرب أيديولوجية أو سياسية. على المستوى الفردي، اتضح لنا مؤشر الوعي للفرد السعودي في درجة استجابته للأحداث وطريقة تعاطيه معها، وبالذات في مسألة الدور المنوط فيه داخل مجتمعه الأسري أو مجتمعه الوظيفي، ورأينا ذلك أيضًا في التعاطي مع وسائل التواصل الاجتماعي في نمط التغريدات والسنابات والحرص على المصداقية والبحث عن المعلومة الصحيحة، ومن ذلك أيضًا اتضح لنا قوة ارتباط الأفراد بالمؤسسات الرسمية وقوة العلاقة معها ومساندتها في مسيرتها نحو تخطي الأزمة وتجاوز هذه الجائحة. رغم حساسية هذه الفترة إلاّ أننا أمام حدث اختبر إمكانياتنا، وهذا يحتم على المهتمين وضع الخطط المستقبلية المبنية على نتائج هذه الفترة؛ حيث نحتاج مستقبلًا إلى تأهيل فرق تطوعية طبية وتثقيف صحي متخصصة في الأزمات والكوارث، وتأهيل مركز للإعلاميين ومؤثري وسائل التواصل في التعاطي مع المعلومات المتسارعة وكيفية الاستفادة منها في رفع الوعي العام ومساندة الدور الرسمي لصنع مجتمع متماسك وقوي أمام كل الصعاب.