في الحلقتين الماضيتين استعرضنا ما ذكره المؤرخ المختص في منطقة الجزيرة العربية وليام فيسي مدير مركز لندن للدراسات العربية في كتابه «الرياضالمدينة القديمة» عن مدينة الرياض وعزم الملك سعود - غفر الله له - على إعادة هيكلة وسط المدينة حتى تعكس مكانتها كعاصمة لأمة حديثة ووطن جديد يطمح الى اللحاق بركب العالم المتحضر خصوصا بعد أن قام بسلسلة من الزيارات لبلدان متقدمة في أوروبا وأميركا بالإضافة إلى دول عربية سبقتنا في النمو والتطور، كان ذلك في وقت كانت العاصمة قد بدأت تتمدد خارج الأسوار مع ظهور أحياء ومسميات حديثة والبدء بنزع ملكيات لصالح شوارع وميادين جديدة في وسط المدينة حتى تستوعب مرور السيارات التي كانت حديثة عهد بالدولة الجديدة ومن ضمنها شوارع وأزقة رئيسة كانت مصممة لمرور الحيوانات - الإبل - والخيول – والحمير. وفي هذا الإطار واستكمالا لما ذكره فيسي في الحلقات الماضية يخبرنا بأنه في سنة 1953 م بنى ولي العهد سعود قصرا آخر (قصر الحمراء) جنوبي المربع مباشرة، استخدمه سكنا حتى سنة 1956م عندما انتقل إلى قصر الناصرية الجديد الواسع الذي اكتمل بناؤه هذه السنة، ومنذ ذلك الوقت فصاعدا استخدم قصر الحمراء الذي لا يزال قائما فقط مكانا لاجتماع مكاتب مجلس الوزراء. إن التوسعات العمرانية كما يقول وسمت نمو مدينة الرياض، في الخمسينات بسمتين: الأولى تمثلت برغبة العائلة المالكة والأغنياء في بناء مساكنهم شمال وغرب المدينة القديمة، بينما المهاجرون والجماعات من ذوي الدخل المحدود استمروا بالسكن بالضواحي في الشرق والجنوب، هذه الرغبات كانت موجودة كما ذكرنا خلال الثلاثينات (1930) م. وكمثال إضافي قبل سنة 1950م قسمت الأراضي في ضاحية منفوحة إلى قطع لإسكان ذوي الدخل المحدود، وظلت هذه المنطقة مركز جذب لهم بعد سنة 1950 م عندما جمعت وسائل البناء بالطين التقليدية مع التخطيط ذي التصميم الشبكي من أجل توسعة الضاحية، وتم إمداد بعض المنازل بالماء والكهرباء. الثانية: تبع بناء قصر الناصرية إنشاء طريق يربطه بوسط المدينة. بينما قامت مساكن ملكية أخرى ومرافق في جواره، اجتذب الطريق - مع مرور الزمن - شريط بناء حتى امتلأت المنطقة الواقعة بين القصر والمدينة القديمة. وتكرر هذا النمط من العمران في أماكن أخرى. إذا والحديث لفيسي: لقد توسعت الرياض الكبرى خلال الخمسينات والستينات على ثلاثة مراحل: المرحلة الأولى، تم تأسيس مشروعات كبيرة أو مرافق في منطقة مناسبة غالبا ما تكون منعزلة خارج المدينة القديمة، القصر ومحطة القطار والمطار الجديد، وربطت هذه بالمدينة القديمة ومع بعضها بطريق جديد. المرحلة الثانية: قامت مبان سكنية وخدمات حول المشروعات الجديدة، وعلى امتداد الطريق المؤدية إليها. المرحلة الثالثة: بدأت خلال الستينات تملأ التوسعات العمرانية الفضاءات بين شوارع المدينة الرئيسة. وفي سنة 1953م أنجزت الشركة الأميركية بكتل بناء المطار الدولي على موقع جديد يبعد حوالي خمسة أميال شمال المدينة القديمة، وبني طريق جديد بينه وبين وسط المدينة وأصبح مباشرة عاملا رئيسا في توسع المدينة المستقبلي. في سنة 1953 اتخذ القرار أيضا بنقل الوزارات من جدة إلى الرياض، وكان لهذا القرار أثر بالغ الأهمية، إذ ترسخ مركزها كعاصمة إدارية خلال حقبة عقد يبدأ من سنة 1945م، رفع مستوى سبع مديريات حكومية، كانت في الأصل تابعة لوزارة المالية إلى وزارات لتنضم إلى وزارات الخارجية والمالية والدفاع وشُيد لها مبان جديدة على امتداد شريط الجانب الغربي من شارع المطار، وأنشئ مجلس الوزراء في سنة 1954م ومكاتبه في قصر الحمراء، لقد أدى التدفق الكبير لموظفي الحكومة الذي يصاحب افتتاح الوزارات في سنة 1957 ووجود المطار إلى إنشاء ضواح للطبقة الوسطى بالملز (كانت تسمى في ذلك الوقت الرياض الجديدة) والعزيزية وحي الضباط والمطار، وقامت ضواح أخرى على نفس الطريقة مثلا في البديعة والشميسي في غربي المدينة القديمة وفي حي المربع. (يتبع).. شارع المطار الذي بنيت فيه الوزارات قصر الناصرية