في دورته الحالية نجح في لفت الأنظار وتحقيق حضور قياسي بينالي الفنون الرقمية «digital art»، الذي يحمل عنوان «نيمو Némo» والذي انعقد للفترة من الثالث من أكتوبر 2019 إلى التاسع من فبراير 2020. ولقد تناول البينالي في الأعمال التي قدمها تساؤلات حول احتمال اختفاء الجنس البشري، ليس بالضرورة نتيجة لكوارث بيولوجية أو بيئية وإنما من وجهة نظر التكنولوجيا الجديدة، وخصوصاً تقنية النانو والتكنولوجيا الحيوية وتكنولوجيا المعلومات والعلوم الإدراكية الملخصة في NBIC، أي أن البينالي يطرح تصوراً لعالم ما بعد البشر، وهو أمر قد يبدو مفزعاً ويقود لردود فعل رافضة من إنسان اليوم، لكن تلك الاحتمالات المفزعة واردة بالنظر للتوسع الذي نلحظه في تطوير الآلة ومنحها القدرة على التفكير والتصرف الذي يفوق في سرعته سرعة البشر، هناك توسع في عالم الجيوش الآلية التي تختمر بصمت وسرية في عقول العلماء وتطلعاتهم الطموحة وتخرج للوجود في المعامل. هذا ويعد البينالي نيمو» نموذجاً مبهراً للفن الرقمي المعاصر حيث يطرح تنوعات من الفنون المعاصرة المفاهيمية البصرية والتركيبية والفنون الأدائية التي تتزاوج مع التكنولوجيا المتقدمة، والتي تناقش بعمق ربما أشبه بالصدمة العلاقة بين الفن والعلوم، والتحديات المجتمعية في العصر الرقمي، وما ستتمخض عنه تلك العلاقة أو ذلك التحدي من نتائج قد لاتخطر على بال. هذا ويقدم البينالي تلك الطروحات المبدعة في الأماكن العامة والأماكن التراثية في باريس أو ما يعرف ب «Ile de France»، والمثير للاهتمام العروض التي تبنتها شركة تشغيل القطارات SNCF المسؤولة عن تطوير 3000 محطة يرتادها مسافرون يبلغ عددهم 10 ملايين وزائر يوميًا، ولقد انبثقت مبادرة ال SNCF من إيمانها بأن المحطات هي أشبه ب»القرى الحضرية» أي هي أماكن للعيش في حد ذاتها تستحق الإثراء وتحويلها لمراكز إشعاع لنشر الثقافة لكافة الجماهير. ومن جهة أخرى تستغل تلك العروض الفنية كدعوة للسفر والاستكشاف سواءً في البلاد أو في رؤى الفنانين المطروحة هناك للجذب وإثارة التساؤلات حول الحياة وتعاملنا معها كبشر مستخلفين في هذه الأرض التي نطويها بعجالة وبلهفة للجديد وبلا وقفة تأمل وبلا نظرة لمانخلفه وراءنا من تغيرات ربما بعضها لا محالة قد يقود لانقراضنا كجنس.