تقوم النسبية الثقافية على فكرة أن أحكام وتصورات الناس تُبنى على خبراتهم الشخصية في ضوء تنشئتهم الثقافية، بمعنى أن القيم والتصورات المبثوثة في أي مجتمع يجب أن تُفهم وأن تُقيّم تِبعاً للطريقة التي ينظُر بها أصحاب هذه الثقافة إلى الأشياء من واقع خبرتهم الشخصية، وهذا المفهوم يوحي بطريقة ما أنه ليست هناك قيم مطلقة أو مُتفق عليها عند كافة الناس.. هذا المفهوم سبق وأن عبّر عنه عالم اللسانيات والأنثروبولوجيا إدوارد سابير إذ يقول: إن اللغة هي دليل للواقع الاجتماعي، فالبشر لا يعيشون في عالم موضوعي فقط ولا في عالم النشاط الاجتماعي كما هو مفهوم عادة، ولكنهم يوجدون تحت رحمة اللغة الخاصة بهم والتي أصبحت الوسيط للتعبير عن مجتمعهم، ومن الوهم تصور أن الإنسان يتكيف مع الواقع بدون استخدام اللغة، أو أن اللغة هي مجرد وسيلة عرضية لحل مشكلات معينة تتعلق بالاتصال والتفكير، وحقيقة الأمر هي أن العالم الحقيقي هو إلى حد كبير مبني بطريقة لا شعورية على أساس عادات الجماعة في استخدام اللغة ولا توجد أبداً لغتان متشابهتان بدرجة تكفي لاعتبارهما يمثلان نفس الواقع الاجتماعي.. عندما أقف عند هذا المفهوم أجدني متسائلاً، كيف نذهب إلى بناء معنى في ضوء هذه النسبية الثقافية؟ هذا السؤال يفتح الباب حول ماهية المعنى؟ المعنى الذي يحيى من أجله شخص ويموت من أجله آخر، البعض يُفسّر أن المعنى هو إثبات وجود وأن الحياة ما زالت مستمرة، وكأن هذا المفهوم مرتبط بالحياة وبمدى ديمومتها داخل كل شخص يعيشها وفق خبراته وتصوراته وثقافته التي نشئ عليها.. لكن ما يهمني أكثر ليس أن أجد إجابة حول ماهية المعنى بقدر أن أقف على تعبير ينسجم مع طبيعة النفس البشرية المتغيرة والتي تتأثر بعوامل ثقافية واجتماعية تصنع بدورها معاني نسبية ضمن لغتها الخاصة يتشكل معها الشخص، وبالتالي فإن كل معنى ما هو إلا تعبير عن سياق اتصالي مرتبط بزمانه ومكانه وكينونته التي نشأ فيها، فهناك من يكون معناه الحُب ويظل يقتات على هذا الشعور، وآخر يعيش على معنى الازدهار كما أجاب عن هذا أرسطو..