لعل من أهم وأخطر المهمات التي يمكن أن تلقى على عاتق أي مسؤول في أي بلد مهمة قيادة إصلاح التعليم، ذلك لأن التعليم هو المحرك الرئيس لنهضة الأمم، وهو العامل الأهم في تقدم الدول وتخلفها اقتصاديًا وسياسيًا واجتماعيًا. ولقد مرت تجارب تطوير التعليم في بلادنا الغالية بمراحل ووقفات عديدة، إلا أنني أرى أن محاولات الإصلاح تعد على أصابع اليد الواحدة! فالإصلاح الحقيقي للتعليم ليس في الاختبارات أو عدمها، وليس في قياس نواتج تعلم مؤقتة ومنفصلة في كل مرحلة دراسية. الإصلاح الحقيقي ليس في تغيير المقررات كل فترة بدمجها أحيانًا وفصلها أحيانًا أخرى. إن الإصلاح الحقيقي للتعليم عملية شاقة وطويلة وتتطلب وقتًا وجهدًا ومالًا، ولا يمكن أن تظهر نتائجها في سنتين أو أربع. الإصلاح الحقيقي للتعليم يكمن أولًا في التحول الجذري في فهمنا للعملية التعليمية وغاياتها، ويبدأ بدراسة أسباب عدم نجاح المحاولات السابقة والبناء على مكتسباتها، إن وُجدت. الإصلاح الحقيقي يجب أن يُبنى على بيانات حقيقية وصادقة عن كل مرحلة. الإصلاح الحقيقي يجب أن يتناول بيانات المراحل الدراسية وأهدافها، ما يقدم في هذه المراحل من مقررات، المباني والبيئة التعليمية، الرضا الوظيفي والميزات الوظيفية للمعلمين، أعداد الطلبة في الفصول، وسائل النمو المهني للمعلم، وغيرها كثير من العوامل التي تؤثر تأثيرًا مباشرًا وغير مباشر في نواتج العملية التعليمية. إن الاعتماد الكلي على «التعلم المقاس»، المتمثل في قياس نواتج التعلم بطرق كمية، واعتبار ذلك مؤشرًا لإصلاح التعليم هو في حقيقة الأمر التفاف حول الواقع وركض إلى الأمام في محاولة لإرضاء الذات وتحقيق المكاسب السريعة التي لا تلبث أن تتلاشى دون تحقيق إصلاح مستدام. ولأن عملية إصلاح التعليم عملية شائكة ومتشابكة، فإنه قد آن الأوان أن يُنظر إليها على أنها مشروع وطني، وذلك بإشراك كل شرائح المجتمع فيها (الأسرة، المدرسة، المجتمع)، في ظل دعم مادي ومعنوي دائم وغير محدود من قيادة هذا البلد. * أستاذ تعليم اللغة الإنجليزية جامعة أم القرى