يعد الاقتصاد السعودي من أكثر الاقتصادات نمواً وتطوراً في الشرق الأوسط، لكن يبقى التقدم التقني والصناعي هو معيار التقدم الحقيقي في ميزان الدول، وأعتقد أن تحقيق التنمية الصناعية مرهون بوضع استراتيجيات وخطط تبدأ بتصنيع سلع ومنتجات للاستهلاك المحلي وتطويرها لتصبح قادرة على إنتاج سلع وسطية تدخل ضمن صناعات أخرى تساعد في تقليل الاستيراد الخارجي وهكذا سيتحقق المزيد من نقل التقنية وتوطين الوظائف وسيقلل من هجرة الأموال، وهذا ما تحتاجه كل دول العالم التي تقوم ببذل الجهود الكبيرة وتضع الحوافز المشجعة لتطوير الصناعة من خلال الدخول في مشاركة اقتصادية استراتيجية مع بعض الدول والمستثمرين الصناعيين، مما سيشكل رافداً حيوياً مهماً لدعم توجهات الدولة في تنمية القطاع الصناعي. ونعتقد أن التحولات الاقتصادية العالمية تفرض على العديد من الدول إعادة النظر في برامج التنمية الاقتصادية لتشمل القطاعات الصناعية والزراعية والخدمية وغيرها، ولكن تبقى قضية الصناعة هي الخيار الاستراتيجي للمحافظة على مقومات الحياة للأجيال القادمة وضمان عدم تبديد مدخرات الوطن كمدفوعات للدول الصناعية، وحتى يتحقق ذلك الهدف لا بد من إيجاد نوع من الصناعات الأولية والخفيفة لتحل محل الواردات منها، والعمل على تطوير الصناعات الأخرى، فمعظم الدول المتقدمة بدأت بمنتجات ذات قدرة تنافسية محدودة، وهذا واقع مشاهد ولكنها بداية الطريق والخيار الحقيقي نحو البقاء، فالثروة النفطية لن تستمر إلى ما لا نهاية والقطاع الزراعي يواجه العديد من العقبات مثل قضية المياه والظروف المناخية والمنافسة الخارجية. ومن هذا المنطلق تحرص المملكة على وضع الاستراتيجيات اللازمة لتنمية القطاع الصناعي من خلال تعزيز القدرة التنافسية للمنتجات الصناعية وتنويع القاعدة الإنتاجية لضمان الدخول والمنافسة في الأسواق العالمية، وهذا بلا شك يتطلب توفير البنية الأساسية للتنمية الصناعية إضافة لوضع القوانين والأنظمة اللازمة لحماية وتشجيع المنتجات الصناعية الوطنية، وحتى يمكن تحقيق تلك التطلعات وسد الحاجات في ظل زيادة الكثافة السكانية والتقلبات الاقتصادية فلا يمكن الاستفادة الحقيقية من نقل التقنية وتوطين الصناعة دون إعادة النظر في مخرجات التعليم والاستفادة من تجارب الآخرين للحاق بركب الدول الصناعية التي تنبهت لقضية الاستثمار في بناء الإنسان كثروة وطنية من خلال دعم وزيادة التخصصات والمراكز الصناعية المتقدمة لتدريب الشباب ليساهموا في صناعة مستقبل أفضل لبلادهم. ونخلص إلى أن الخيار الاستراتيجي للاستفادة من الموارد المالية الحالية هو زيادة الاستثمار في القطاع الصناعي وتشجيع القطاع الخاص من خلال تذليل الصعوبات التي تواجه الصناعة بشكل عام، ووضع الأطر القانونية المحفزة لزيادة الاستثمار في القطاع الصناعي، والاستفادة من الوضع الاقتصادي لجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية في المجال الصناعي ونقل التقنية وتوطين الوظائف وتحقيق عوائد مالية إضافية للدخل الوطني وتضمن نمواً اقتصادياً في الظروف الأخرى غير الملائمة، مما يجعلنا بإذن الله في مأمن من الأزمات المفاجئة والتقلبات الاقتصادية في أسعار الطاقة، بمعنى أكثر وضوحاً هو ضرورة استثمار رؤس الأموال الوطنية في القطاعات الحيوية الصناعية بما يعود بالنفع للوطن والمواطن.