دائماً ما نسمع ويتردد على آذاننا أن اليابانيين وصلوا إلى ما وصلوا إليه من تقدم وتطور نتيجة استغلالهم الوقت بالشكل المطلوب، إضافة لحبهم العمل اليومي بشكل متناهي النظير. قبل فترة قامت إحدى الشركات اليابانية بمنح موظفيها غير المدخنين ستة أيام إجازة إضافية مدفوعة الأجر، تعويضاً لهم، حيث إنهم لاحظوا أن غير المدخن يكون منشغلاً بعمله، في حين أن المدخن يصرف هذا الوقت في التدخين، مما أشعرهم بشيء من عدم المساواة بينهم وبين زملائهم المدخنين، إضافة إلى تشجيع الموظفين المدخنين على الإقلاع عن التدخين واستغلال هذا الوقت بما يعود بالنفع عليهم وعلى شركاتهم. أغلب الموظفين غير المدخنين في المؤسسات والشركات يجد في نفسه هذا الشعور بالظلم، حيث إن بعض زملائهم المدخنين يستقطعون أوقاتاً إضافية غير محددة للذهاب للتدخين في أماكن مهيئة ومخصصة لهم وفي أثناء التدخين لا تنفك عنهم الأحاديث الجانبية وشيء من الترويح عن النفس. بالتأكيد الأمر لا يدعو للحسد ولا حتى الغبطة ولا أن يتمنى الإنسان أن يكون مكانهم، ولكن بالنسبة للموظفين غير المدخنين أليس من العدل تمييزهم ولو بشيء بسيط عن زملائهم المدخنين؟ رفعاً للمعنويات ودعماً لهم وتشجيعاً لزملائهم للإقلاع عن التدخين. إن بيئة العمل بيئة مشجعة للتدخين بشكل كبير بين أوساط الشباب، فلها نصيب كبير من أوقاتهم اليومية، وما تبذله الجمعيات والجهات الأخرى من جهود في سبيل إقلاع هذا الزوج أو الأب أو الابن عن التدخين تضمحل وتنحل في هذه البيئة، ولو تكاتفت الجهود لأثمرت النتائج بالشكل المطلوب. كما أن جمعيات علاج المدخنين وغيرها من المكافحين لهذا الوباء بحاجة إلى التنويع في الوسائل والضغط على المدخن من خلال البيئة المحيطة به، فليس بالضرورة أن تتم مكافحة لهيب النار كي تنطفئ بل يكفي أن نقطع عنها أحد مسبباتها مثل الأكسجين فتخمد. وأما ما يخص التوعيات السنوية فهي مجرد أعياد لهذه المناسبة ولكن أعياد مأساوية تذكر بالإحصائيات المرعبة لضحايا الدخان من مرضى ووفيات، مما يشعر بالألم والحزن ولا أتوقع أن هذا الحزن والألم - الذي يتعوذ منه الإنسان - يكون مشجعاً له لمعالجة هذه الآفة إن لم نعمل على جعل هذه التوعيات مصدر إلهام لمزيد من البذل والسعي. الشركة اليابانية بالنسبة لها الوقت يعادل المال، بالتالي لم تكن نظرتها وجل اهتمامها وما اتخذته من إجراءات وقرارات في سبيل الإقلاع ومكافحة التدخين فقط، بل ما اتخذته كان من أجل تحقيق العدالة والمساواة في الحقوق المشتركة بين الموظفين، وأما الإقلاع عن التدخين فسيأتي تبعاً لتلك المساواة، وهو ما يبين لنا أن الحقوق المشتركة بين الموظفين أولى بمراعاتها من مجرد المصالح الشخصية للأفراد. الطامة الكبرى والمصيبة العظمى إذا كان رأس الهرم في كل شركة وبيئة عمل هم من المدخنين، فهل من الممكن أن يقتنعوا بمثل هذه المبادرات البناءة أم أنهم خارج نطاق التغطية؟