تزخر بلادنا - ولله الحمد - بالعديد من المنتجات الزراعية التي اشتهرت بجودتها، مما جعلها مطلب الكثيرين الذين يبحثون عن الطعم اللذيذ والمميز، ويتربع على تلك المنتجات بلا منازع التمور التي اكتسبت شهرة عالمية لجودتها وتعدد أنواعها، حيث تحتضن ملايين النخيل في مزارع جلها نموذجية تغطي مساحات شاسعة من وطننا الغالي، ومن أكبر وأهم منتج للتمور واحة الأحساء والتي تمتاز بإنتاج نوع الخلاص، كما تتميز منطقة القصيم بإنتاج نوع السكري، واشتهرت كثير من المناطق بوفرة إنتاجها الزراعي المتنوع مثل الزيتون والمانغو والحمضيات والبطيخ الذي يطيب للبعض تسميته ب»الحبحب»، وكانت هذه المنتجات وخلال موسم جني ثمارها تجد صعوبة في التسويق، حيث كان محلياً داخل أسواق المحافظة التي تقع بها، مما جعل الكساد يسودها، لتباع بأسعار متدنية قد لا تغطي تكاليف إنتاجها، مما يجعل المزارعين يحتارون بين أن يبيعوها بأسعار متدنية أو انتظار السعر الذي تستحقه مما يعرضها للكساد ومن ثم التلف، وقد أوجد المسؤولون طريقة جديدة ومبتكرة خلال العقود القليلة الماضية كانت كفيلة بتسويق هذه المنتجات بأسعار تضمن تغطية التكلفة ومزيداً من المكاسب التي تحفز المنتجين إلى زيادة الاهتمام بالإنتاج وتنويعه والإكثار منه، ألا وهي المهرجانات السنوية التي تعرض فيها تلك المنتوجات في مواسمها في كافة المناطق، ويصاحبها زخم إعلامي كبير عبر وسائل الإعلام المختلفة من مسموعة ومقروءة يضمن وصولها إلى أكبر قدر من المتسوقين من داخل المملكة ومن دول الخليج والدول المجاورة، والتي استطاعت من خلالها تسويق المنتجات الزراعية التي تدر الملايين وتكون رافداً من روافد السياحة في بلادنا والتي باتت تدر دخلاً كبيراً وعائداً مادياً مجزياً من خلال خلق وظائف موسمية وإشغال للنزل وتخلف حراكاً تجارياً أدى بدوره إلى نمو الاقتصاد المحلي. والمتأمل اليوم لتسويق المنتجات الزراعية يجد اختلافاً واضحاً من حيث الراحة للمنتجين، فبعد أن كان المنتج يبحث عن مكان يسوق فيه منتجاته ويقطع مئات الكيلومترات من أجل عرض ما ينتج في أسواق المدن الكبرى مع تكبده لقيمة النقل الباهظة وتعرض منتجاته للتلف من طول انتظار التسويق خصوصاً في أوقات ارتفاع درجات الحرارة صيفاً، بات من السهولة تسويق المنتجات في مكان زراعتها من خلال المهرجانات التي تنظم في كل عام وتجد إقبالاً كبيراً من المتسوقين من داخل البلاد ومن الدول المجاورة، حيث إن الكثير من المهرجانات ذاع صيتها لتتعدى الشهرة محلياً إلى الشهرة دولياً، بل إن عدد من هذه المهرجانات بات يشار إليه بالبنان حيث أصبح من أكبر المهرجانات في الشرق الأوسط كمهرجان التمور ببريدة وغيرها. تسويق زمان وفي الماضي القريب كان المزارعون عندما تنضج الثمار من خضروات وفواكه في مزارعهم يقومون بجلبها إلى سوق القرية الوحيد الذي كان غالباً يتوسط البلدة ويقع بجوار الجامع، حيث يشهد عمليات البيع الشراء لكافة السلع ومن بينها ما تنتجه المزارع، فتجد من يقف بجانب كومة من البطيخ وينادي بأعلى صوته مردداً: «بطيخ أحمر على السكين»، بينما من يقف بجانبه ينادي على عدد من أصناف التمر، والآخر على العنب، ويضيق السوق بعارضي منتوجاتهم من الخضروات بجانب من يجلب للسوق منتجات الألبان كالسمن البري والأقط، إضافة إلى من يجلب الحطب وهكذا، ولكن الغالب تعرض المنتجات الزراعية يوم الجمعة قبل وبعد صلاة الجمعة، حيث يكون الحضور إلى السوق كثيفاً بينما تكون الحركة في بقية الأيام قليلة، فلا تجد ما يعرض من منتوجات سوى «البرسيم»، الذي يشترى بشكل يومي من أجل إطعام الماشية في البيوت، وبعد أن كثر استعمال السيارات بعد ورودها بات من يملك محصولاً وفيراً يستأجر سيارة بسائقها من أجل إيصال منتوجاته إلى المدينة الأقرب إلى بلدته فيقوم بعرضها ومن ثم بيعها واقتطاع جزء من البيع إلى صاحب السيارة كأجرة، وقد يكون ثمن البيع مساويا للأجرة فيدفعه إلى صاحب السيارة ويعود صفر اليدين، وقد يكون أفضل حظاً ممن لا يفي مبلغ البيع بمقدار الأجرة فيضطر إلى دفع الباقي من جيبه الخاص ليعود بالخسارة المضاعفة جراء خسارة بضاعته ومقدار من ماله كأجرة للذهاب إلى سوق المدينة إضافة إلى إضاعة وقته. قصة خسارة وكدليل على معاناة جيل الأمس في تسويق منتجاتهم فقد فاض لدى أحد المزارعين من إنتاج مزرعته من البطيخ - الحبحب - ولم يكن السوق المحلي قادراً على استيعاب الكميات التي ينتجها، فقد توجه بحكم إقامته في منطقة الرياض بجلب محصوله إلى أسواق العاصمة عبر استئجار سيارة تقوم بنقل المحصول إلى أسواقها ولكن البيع كان كاسداً مما جعله ييمم وجهه شطر أسواق المنطقة الغربية وإلى مدينة جدة بعد أن نصحه أحد المقربين إليه بأن البيع هناك سيلقى رواجاً بسعر جيد ووفير، فما كان منه إلاّ أن قام باستئجار شاحنة وتعبئة ما قام بجنيه خلال أسبوع حتى امتلأت وفاضت واتفق مع صاحبها على الأجرة التي كانت كبيرة، فوافق عليها على الفور طمعاً في المكاسب التي ستعود إليه بعد البيع ففوض صاحب الشاحنة في بيع الحملة، وبعد عدة أيام من وصوله إلى أسواق جدة وجد السائق أن هذا المحصول متوفراً بكثرة مما جعله كاسداً فلم يأت بقيمة تسد قيمة الأجرة، فقام بالاتصال بصاحب المحصول هاتفياً في ذلك الوقت الذي واكب ظهور التلفون وأخبره بثمن ما وصلت إليه البضاعة مستفسراً هل يبيع المحصول بالقيمة إلى وصلت إليه أم يعود أدراجه بها إليه، فقال صاحب المزرعة: «قم ببيع المحصول وعد إلينا لنوفيك بقية الأجرة» وهو يضرب أخماسا بأسداس من هول الخسارة التي مني بها. مهرجان بريدة وعند الحديث عن مهرجانات تسويق المنتجات الزراعية فإن مهرجان التمور في مدينة بريدة بمنطقة القصيم قد حاز قصب السبق في إقامة أول مهرجان، وذلك بإقامته قبل عقدين من الزمن، فقد أقيم مهرجان للتمور في شهر شعبان 1421ه، وافتتحه صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر - أمير منطقة القصيم آنذاك -، ويعدّ مهرجان بريدة للتمور أحد أهم المهرجانات الاقتصادية والسياحية التي تلقى إقبالا جماهيريا في منطقة القصيم، ويشهد حضوراً واسعاً من دول الخليج في هذا الكرنفال السنوي لجلب أفضل أنواع التمور وأجودها، حيث يستقبل يومياً آلاف الأطنان منها، والتي تتجاوز أصنافها 35 نوعاً من التمور التي تنتجها مزارع المنطقة، ويبدأ الاستعداد لموسم التمور من قبل المزارعين والتجار في وقت مبكر يتمثل أولاً في الاهتمام والعناية بالنخيل حتى اكتمال نضوج الثمار، وذلك بتحديد جودة ومستوى المنتج الذي سيعرض للبيع، كما يشكل المهرجان ملتقىً مهماً لتجار التمور من أفراد ومؤسسات، يهتمون بالتنافس على بيع أعلى الكميات وتوفير أفضل الأصناف للمتسوقين وتنظيم طرق عرضها داخل ساحات المهرجان بشكل جمالي يجذب الزوار، وتصاحب ذلك أصوات الدلالين بنبرات رنانة وجذابة تلفت انتباه الزوار. وأهم ما يميز مهرجان بريدة للتمور تنوع الأصناف واختلاف مستوياتها حسب حاجة المتسوقين وتفاوت الأسعار بدءاً من 55 ريالا حتى 350 ريالا لنوع السكري منه، الذي يعد المنتج الأول والأكثر في المهرجان وله عدة أسماء منها الرطب، المفتل، الجلكسي، وهناك الكثير من الأصناف أبرزها الونانة، السكرية الحمراء، نبتة علي، خلاص القصيم، الرشودية، سباكة، أم كبار، عسيلة، ويعتبر السوق فرصة لتبادل الخبرات بين منتجي التمور من المزارعين في المنطقة والتجار المحليين والدوليين الذين يحرصون على استمرار المنتجات في أفضل المستويات وذلك لحاجة وطلب السوق على مدار العام، حيث يوزع المنتج في المعارض الخاصة والمحلات، والكثير من الإنتاج يتم تصديره إلى بلدان الخليج ومختلف دول العالم من خلال بورصة البيع المعدة خصيصاً لذلك داخل المهرجان وساحات التصدير التي تعتبر الساحة الأكبر لتصدير منتج موسمي داخل المملكة. الأحساءوالجوف وبعد النجاحات الكبيرة التي حققها مهرجان التمور ببريدة والذي يقام سنوياً بإقبال كبيرة جاءت فكرة إقامة العديد من المهرجانات المماثلة في عدد من مناطق ومحافظات المملكة التي تشتهر بإنتاج التمور ومن ضمنها محافظة الأحساء، حيث تشتهر المنطقة بوفرة المياه وخصوبة التربة، وانتشار بساتين ومزارع النخيل، وزراعة المزيد من النخيل، وتنتج المنطقة أفخر أنواع التمور، ويُقام المهرجان سنوياً وتنظم فعالياته بدعم من المسؤولين، ويتجاوب المزارعون، وتجار التمور والمصنعون لعبوات التمور في عرض منتجاتهم سعياً لمناخ تسويقي لبيع التمور داخلياً ولبعض التجار والمستهلكين في الدول المجاورة. ولم يتوقف النجاح إلى هذا الحد بل تعداه إلى إقامة العديد من المهرجانات لعدد من المنتوجات الزراعية ومن أشهر هذه المهرجانات مهرجان الزيتون بالجوف، وهو مهرجان يهدف إلى تسويق إنتاج الزيتون وزيت الزيتون للمزارعين والشركات الكبرى بمنطقة الجوف، وهو من أشهر المهرجانات التي تقام في المنطقة وقد بلغ عدد زائريه أكثر من مئة ألف زائر سنوياً، وقد جاءت فكرته من قبل أمين منطقة الجوف محمد بن حمد الناصر بإشراف ودعم من أمير منطقة الجوف - آنذاك - الأمير فهد بن بدر بن عبدالعزيز، ويعد ياسر العلي عراب المهرجان إبان انطلاقته الأولى في العام 2008م، ويقام المهرجان بمركز الأمير عبدالإله بن عبدالعزيز بمدينة سكاكا، ولا يزال المهرجان يلقى رواجاً وإقبالاً كبيراً من مرتاديه من داخل المملكة وخارجها في كل عام بتميزه وتجدد معروضاته في كل عام. جازانوالباحة ومن المهرجانات الشهيرة أيضاً مهرجان المانغو بمنطقة جازان، حيث تنتج المنطقة كميات كبيرة من فاكهة المانغو ذات الأصناف والجودة العالية ذات المذاق اللذيذ، ويتم تنظيم المهرجان لعرض منتجات المزارعين بالتنسيق مع فرع وزارة الزراعة والجهات المسؤولة، لتغطي الأنشطة والفعاليات للمهرجان ما يخدم المزارعين في تسويق منتجاتهم، وبما يخدم المنطقة اقتصادياً وسياحياً وبما يتوفر من مجالات للاستثمار في عدة مجالات عامة، ويأتي مهرجان الرمان بمنطقة الباحة كأحد المهرجانات الجميلة والتي تحظى بإقبال جماهيري كبير خصوصاً من سكان المنطقة وزوارها، حيث تمتاز المنطقة باعتدال المناخ وخصوبة التربة ووفرة مياه الري في بعض محافظات المنطقة، وفي بلدة بيدة الزراعية تجود زراعة الرمان في حقولها وبساتينها، ويُعد رمان بيدة بمنطقة الباحة والذي يُنتج في مزارعها بكميات كبيرة من أجود أنواع الرمان، والأطيب والأفضل من حيث الطعم والمذاق، ويُقام مهرجان منطقة الباحة للرمان كل عام بتنظيم وتنسيق فعالياته من قبل المسؤولين والجهات ذات الاختصاص لتنظيم معروضات المزارعين من إنتاج مزارعهم والذي يجد إقبالا من المستهلكين، وتجار الفواكه في المنطقة وخارجها. ورد الطائف ويقام مهرجان الورد الطائفي بشكل دوري سنوي، وتنطلق فعالياته كل عام بمشاركة جهات حكومية تتولى التنظيم والتنسيق لفعاليات المهرجان الذي يقام بمنطقة الردف، وتتولى تلك الجهات مهمة إظهار المهرجان بالمظهر الذي يليق بالمنتج الزراعي لزراعة ورد الطائف المشهور، وصناعة عطر الورد الطائفي، الذي يعتبر من أرقى وأجود أنواع عطور الورد في العالم، ويقبل الزوار بشكل كثيف للاستمتاع بفعاليات مهرجان الورد الطائفي ومشاهدة باقات الورود ومشاهد الورود الجميلة بعطرها الفواح. ساجر والحريق وهناك مهرجان «الحبحب» والمنتجات الزراعية والذي يقام بمركز بساجر بمحافظة الدوادمي، والذي يقام كل عام وينظمه مكتب الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني بمحافظة الدوادمي بالتعاون مع لجنة التنمية الاجتماعية الأهلية بساجر. ومن المهرجانات الحديثة التي تمت إقامتها منذ أربع سنوات مضت واستمرت في كل عام ولاقت صدى واسعاً وإقبالاً مميزاً مهرجان الحمضيات بمحافظة الحريق، والذي يقام برعاية الإدارة العامة لشؤون الزراعة بالرياض ومديرية الزراعة بالخرج وفرع الزراعة بالمحافظة، حيث تشتهر المحافظة بإنتاج أجود أنواع الحمضيات، ويهدف المهرجان إلى التعريف بالمنتجات الزراعية كالبرتقال واليوسفي والليمون الذي تشتهر به المحافظة في فصل الشتاء، ويلتقي في المهرجان المزارعون والتجار والمتسوقون طيلة أيام المهرجان، كما تقام العديد من الندوات العامة للمزارعين، وأخيراً فإنه بانتشار المهرجانات التسويقية للمنتجات الزراعية والدعم الذي يلقاه المزارعون باتت الزراعة رافداً مهماً من روافد التنمية ومصدر دخل جيد لممتهنيها خصوصاً في تنوع عرض المنتجات وسرعة الوصول إلى المستهلك من خلال تخصيص البلديات أسواقا خاصة بها، وكذلك إقامة المهرجانات التسويقية في كافة مناطق ومحافظات المملكة. مهرجان حبحب ساجر يجد اهتماماً كبيراً مهرجان الزيتون مصدر جذب سياحي مميز مهرجان الحمضيات بالحريق يعرض البرتقال واليوسفي والليمون عرض المنتجات الزراعية قديماً في السوق إعداد: حمود الضويحي