انطلاقاً من أهمية الخط العربي الذي عمل كناقل للمعرفة عبر السنين، وحفاظاً على الموروث المعرفي والثقافي، وإبرازاً له كونه عنصراً أساسياً في الثقافة الإسلامية في فنها وعمارتها، جاءت مبادرة وزارة الثقافة بتسمية العام 2020 بعام الخط العربي، والتي تحاول تعزيز حضور الخط العربي من خلال دمجه في الميادين المختلفة، واستخدامه بشكل عملي وجمالي. جمال اللغة في الخط وفي حديث مع مجموعة من فناني الخط العربي، أشادت الخطاطة هناء علي بدور وزارة الثقافة في دعم هذا الفن مشيرة إلى أنها خطوة مهمة انتظرها فنانو الخط لفترة طويلة، لكونهم متعطشين لمثل هذه الخطوات التي تتطلب الكثير من الجهد والعمل، لما للخط العربي من أهمية تظهر من خلال تاريخنا وحضارتنا العربية والإسلامية التي جعلت الخط العربي يتنوع بأشكال عديدة حسب الأقاليم، مؤكدة على دور الخط في إبراز جماليات اللغة وحفظ التراث، فالخط العربي يستمد جماله من جمال اللغة. وقالت القحطاني التي سبق أن شاركت في العديد من فعاليات الخط والمعارض ومنها: سوق عكاظ (موسم الطائف)، معرض جدة الدولي للكتاب، معرض تلمذة للخط العربي، إضافة لكونها مدربة خط عربي: "الخط في أي لغة هو حد اللسانين، وعليه فهو قسيم اللغة في إبراز الجمال وحفظ تراثها، وتفرّد الخط العربي بكثرة أشكاله، وتنوع كتاباته، وحفلت المخطوطات بتنوع ضخم في الكتابات حفظاً للتراث العربي والإسلامي"، وعن مكانة الخط العربي عالمياً قالت: "الخط العربي له السيادة عالمياً، فهو الخط الوحيد الحي كتابة، فتجد الحرف متجسداً روحاً لا تجدها في غيره، والحي نطقاً، من حيث غزارة مفرداته". الخط كقوة ناعمة من جهته، تحدث الخطاط المصري طاهر عمارة عن أهمية الخط العربي كفن إسلامي طغى على الفنون الأخرى أثناء الفتوحات الإسلامية في صدر الإسلام، ليكون كالقوة الناعمة التي تتسلل لمختلف الأمم ولتصبح جزءاً من حياتهم اليومية، "ونستطيع أن نستدل على ذلك من خلال بعض الدول التي دخلت الإسلام فأصبحت تكتب لغتها بالخط العربي حتى بدايات القرن الماضي مثل تركيا عندما قام كمال أتاتورك بثورة العام 1926م غير فيها الحرف العربي بالحرف اللاتيني، فيما لا تزال دول أخرى تكتب بالحرف العربي حتى الآن كباكستان وأفغانستان وغيرهما من الدول". كما يرى الخطاط طاهر أن برامج الكمبيوتر للخط العربي أفسدت قواعد الخط المعروفة، وهو ما يستدعي تكثيف العمل على تعزيز الخط العربي المجرد من خلال إضافة كورسات ومواد اختيارية في الجامعات والمدارس إضافة لورش العمل التدريبية في الجهات المعنية. وأضاف: "ولإحياء هذا الفن الإسلامي يجب على الوزارة القيام بعدة خطوات لنشر الوعي والذوق الفني للخط العربي الذي بدأ يندثر مع ظهور الكمبيوتر، وأسهل الطرق هو أن تقوم الوزارة بإلزام المجلات والدوريات على توزيع لوحات تتضمن الكتابة بالخط العربي كهدية مع إصداراتها لنشر الذوق الجمالي للخط العربي، وأستطيع من خلال هذا المقترح أن أساهم بتزويد الجهات المنفذة بنوعيات مختلفة من الخطوط والآيات القرآنية المكتوبة بالخط اليدوي بتركيبات غاية في الإتقان والجمال الفني للخط العربي مما يساهم في الزيادة من جمال وقدسية كتاب الله عز وجل، كما يمكن أن تقوم بالتعاون مع الجهات الأخرى لتشارك بعمل دورات للخط العربي يقيمها خطاطون محترفون لتعليم قواعد الخط لهواته والراغبين في تعلمه، وإذا أمكن أن تقوم الوزارة بترغيب وزارة التربية والتعليم في فتح مدارس تحسين الخطوط يحصل فيها الطالب على دبلوم في الخط العربي". وأكد طاهر أن الخط العربي له دور كبير في إبراز جماليات اللغة العربية "ومن أهمها تصحيح الأخطاء الإملائية لدى الكثيرين، كما أن معظم المخطوطات التي كتبت بخط اليد تهدف إلى نشر العلم بجماليات اللغة والخط العربي، والقرآن الكريم أهم المصادر لتعليم اللغة العربية لما فيه من قواعد الصرف والنحو، ومن المعروف أن الخط العربي له مكانة عالمية حيث تقوم دول غير عربية بإقامة معارض ومسابقات عالمية للخط العربي". وعن مشروعاته الجديدة أوضح عمارة أنه يقوم حالياً بالتخطيط لإعداد مشروع مهم لعرضه على وزارة الثقافة لإقامة معرض للخط العربي بمعهد العالم العربي في باريس تحت مسمى "البرديات القرآنية" في شكل لوحات قرآنية مكتوبة على البردة كشيء يحدث لأول مرة في العالم. الخط بعيون أجنبية وفي الختام أشارت الخطاطة ليلى القحطاني (باحثة دكتوراه في التاريخ الحديث والمعاصر) إلى أن مبادرة وزارة الثقافة تعتبر خطوة ستساهم في إنقاذ الخط العربي مما وصل إليه من تشويه، وستعيد له مكانته، كما ستمكن المعلمين من قراءة ما يكتبه الطلبة، مؤكدة على أن كل ذلك يعد مشروعاً للمحافظة على الثقافة العربية والخط العربي الذي يعتبر من الأمور المهمة دينياً وثقافياً، لما له من دور عظيم في الإبقاء على الإرث العربي ونقل التاريخ للأجيال المتتابعة. وأضافت أن جمالية الخط العربي تتمثل في تنوعه وتعدد استخداماته، مشيرة إلى أن للخط أهمية في تيسير فهم المقروء واستيعابه، كما يتميز صاحب الخط الجميل المتقن بدقة الملاحظة، إضافة لكونه شخصاً يتمتع بحس عالٍ. وقالت: "يظهر الخط العربي عند الشعوب الأخرى كشيء لافت للانتباه بجميع أشكاله واستدارته وتشابكه وتناسبه بين النقطة والخط والدائرة، ما يجعل الكثيرين يدهشون عند مشاهدتهم الزخرفة الكتابية التي تزين المساجد واللوحات، لذلك من الواجب علينا أن نحرص على ممارسته والعمل على تدريب أناملنا على رسم حروف لغتنا بشكل واضح ومرتب وجميل".