عندما تكونت الكتابة تشكلت ذاكرة جديدة للجنس البشري ، وحصلت طفرة هائلة للبشرية لأن المعلومات البشرية بدأت بالتراكم والتكديس والتفاعل ، وبدأت بذور نهضة الحضارات حيث أن الكتابة بدأت بصياغة البشرية صياغة جديدة ، هذه المرحلة من اكتشاف الكتابة تعتبر أخطر تطوّر في تاريخ البشرية ، لأن اكتشاف الحرف كان معناه تحويل النطق إلى كتابة تعبر عما تريد وتنقله إلى الأجيال القادمة . ومنذ أن خرجت الحروف الرقمية على الساحة العامة واستعمرت في ذاكرة الجيل الجديد الذي بدأ بتناول تلك المواد الجامدة في قولبة جديدة للقضاء على فنون الخط العربي وتهميشها ووضعها في زاوية مظلمة بعيدة عن الضوء ، آذنت شمس الإبداع من ذاكرتنا بالرحيل إلى غير رجعة . فقد عملت تلك الشركات بدقة فائقة في تغييب العنصر الجمالي للخط العربي من خلال الكم الهائل لنماذج خطية عديدة بدأت في التعامل المباشر معها فأوصدت جميع الأبواب للخط العربي لطيّها وعدم التعامل معها ، فمن الإعلان العريض المتناسق الذي بدأ بالقضاء على الكتابة اليدوية ، إلى القلم الذي بدأ كتابته ينحسر استعمالاتها إلا نادراً . وأن بعض الشوارع التي في مدننا الكبيرة والهامة قد انقرضت منها تلك الكتابة اليدوية الإبداعية السلسة التي كانت تنمُّ عن تطور هائل في إمكانيات وجماليات الخط العربي ، مع العلم أن بعض المدن التراثية العريقة ما زالت تفتخر بالكتابة اليدوية على جدرانها كالجامع الأموي في دمشق وحلب وقصر الحمراء في الأندلس وآثار سمرقند وطهران وتونس والمغرب وعمائر بغداد ومساجد استانبول وأصفهان وغيرها . لقد حوّلت الثورة الرقمية معظم الخطاطين ولا أقول جميعهم إلى تابعين لها وقابعين في أسوارها يتلقون تعليماتها بكل طواعية وتسليم ، وذلك بعد أن غسلت أدمغتهم من الركائز الهامة لجوهر الخط العربي واستوطنت بدلاً عنها أشياؤها ومفرداتها التي بدأت في غزو ثقافة الفنون . وتحول الخطاط أيضاً إلى عنصر تابع للحاسوب في جميع مستويات العمل الإعلاني ، وبدأ في التوقف عن العمل لمجرد انقطاع التيار الكهربائي أو حدوث عوارض مرضية على مجريات الحاسوب ، بدلاً أن يكون هو السيد ويكون الحاسوب هو التابع . لقد قضت ثورة المعلومات بكل إفرازاتها على تهميش الحرف العربي بعد أن كان نواة لكل معلومة ... لا أقول قضاءً مبرماً لكنني أتحسر ألماً على بوّابات بعض المجلات التي تدّعي الحفاظ على التراث وتستعمل خطوطاً من صناعة الكمبيوتر على غلافها ، الأمر الذي ينفي عن تلك المطبوعة صيغتها التراثية وعنصرها الجمالي المتألق ، وكأن خط اليد أصبح مقصراً في محراب هذه الاختراعات .... وإذا كانت مثل تلك المطبوعة التي تثقف الناس لا تبالي بهذا الأمر ولا تهتم به ، فان هذا سينتج ولادة أجيال لا يعطون للمزايا التي يتمتع بها فن الخط أي اعتبار ، أو العكس فقد ينتج جيلاً ممن يستعملون فن الخط عن طريق الكمبيوتر ، وهم الذين لا يتصلون بفن الخط من قريب أو بعيد ، وقد حدث . مما يجعلون الإبداع الخطي اليدوي في غياهب السجن وبعيداً عن الضوء والممارسة الفعلية الجادة . إن الفجوة الكبيرة التي تُركت بدون حلول بدأت تتوسع على حساب تغييب العنصر الجمالي للحرف العربي وإن الذين يشرفون على تلك الثورة الرقمية لا يعبئون كثيراً بهذا الجانب الهام من الصفحة الناصعة البيضاء لذاكرة تراثنا الحيّة التي اختزلت جميع أركان ازدهار الحضارات في رونقها الزكيِّ وتلافيفها المطرزة بالنور والبهاء . ويثير الخط العربي تساؤلات عديدة كما لم يثره أي فن من الفنون ، وذلك لشموله جوانب عديدة من حياة الإنسان ، وميادينه مختلفة ذات تماس مباشر باحتياجاته الجمالية والوظيفية ، فهو بالتالي لا يخص ذوي الشأن من الخطاطين بل تعدى ذلك إلى كونه أهم الفنون التي تعكس تطور الفكر الإنساني في الدراسات الأنثربولوجية الحديثة . فالخط العربي يتضمن قدرة فائقة على احتمال خصائص الفرد وميّزاته أو أبعاده النفسية والفكرية والعاطفية ، باعتباره الوسيلة المعرفية الراقية ، المندمجة بالتفكير والعقلانية ، والأكثر رهافة واستجابة وتأثراً وتأثيراً بالكون والذات الإنسانيّة معاً . ومن هنا نشأت أساليب تحديد الخط وقراءته ، واكتسبت أهمية خاصّة في كثير من التخصصات والحقول ، كعلم النفس وعلم الجريمة وغيرها من العلوم . غير أن الخط من ناحية أخرى ، هو حامل لأبعاد ثقافية واجتماعية وحضارية تشترك فيها الأمة والمجتمع كله . ذلك أن الخط ومع اختلاف كل فرد أو ذات نفسية في صياغته وتشكيله ، هناك جزء عميق وكبير متعارف عليه يمثل القيمة الكلية أو الفلسفة الكلية والمطلقة للمجتمع ، فإن كل تشكيلي لحرف معيّن ، يعبر عن الخصائص النفسية الداخلية ( بطرق معروفة لدى أهل الاختصاص ) ، فإن الحرف أو الخط في حالته المثالية والمطلقة ، لا يحمل خصائص الفرد فقط ، وإنما يحمل الانطلاقة الحضارية للأمة جميعاً ، وهو ما نجده في القواعد والمعايير والقوانين الأساسية التي يقوم عليها فن الخط . والتي أرساها الأوائل ، وقامت الأمة بتطويرها وتحسينها بعد ذلك ، حتى اكتسب الخط شكله الحالي الذي يصعب اختراقه ، وبالتالي فإن إمكانية قراءته ثقافياً وفلسفياً هو أمر مشروع ، بل لا بد من القيام به ، من أجل إعادة الاعتبار للحرف العربي ، بقراءته من الداخل والإحساس به ككيان مرهف ، حمال للفكر والفلسفة ، له قصب السبق في الذاكرة المنطوية تحت جنح التراث . وتكمن القيمة المعرفية للجهود الجبارة للخطاطين الأوائل والذين مازالوا يقتفون أثرهم في توجههم العميق نحو إبراز ملامح علم الإبداع العربي والسعي نحو تمييزه عن باقي العلوم التي ارتبط بها . فالخطاطون يظلون ممثلين للثقافة العربية الإسلاميّة بكل تجلياتها الرائعة ، كونهم الأداة الحاضنة للإبداع الثقافي من خلال القدرة على التمييز والعطاء . ومع أن التكنولوجيا الحديثة أصبحت تدخل في كل شيء من حولنا ، وأصبحنا في هذا العصر محاطين بها أينما يممنا ، إلا أننا لم نتمكن من الإفادة منها في ردم الهوة القائمة بين الإبداع اليدوي المرهف والجمهور المتلقي . وفي هذا الصدد يمكن اتخاذ خطوات عدّة ، تساعد إلى حد ما في رأب الصدع القائم ، وفي جذب الجمهور المتلقي نحو الإبداع اليدوي الكتابي للخط العربي ، بعد أن وجد بدائل أضحت أفضل في نظره ترفيهاً له وتخفيفاً من ضغط الواقع اليومي عليه في جميع الأصعدة . إن الخط العربي هو تشكيل خطي ، حامل لقيم صوتية ، لكن صياغته في الواقع ، تضيف إلى هذه القيمة الصوتية قيمة فكرية وحضارية وأخلاقية وفلسفية ، فإذا أخذنا على سبيل المثال الحرف أ ، كتعبير لصوت معيّن ، فإن وقوفه واستناده على السطر عمودياً ودون سائر الحروف ، بالإضافة إلى وجوده الدائم والأبدي في مقدمة الكلمة ، يضفي عليه خصائص وجدانية تنتمي إلى ثقافتنا ، كأن يكون هو الدعامة الأساسية في بناء الأحرف كلها ، إذ يمثل مفهوم القيام على الأمر ، والسند والدعم والبداية المكرسة لِما هو علوي وسماوي ، آت من الغيب ، ونازل منه ، أو متنزل منه ، ومن هنا يأتي حضوره في بداية الكلمة ، أو في وسطها ، حيث يلعب دور الدعامة الضرورية لغوياً وفكرياً للكلمة ، لذا نجد أن هذا الحرف يتكرر كثيراً في الخط العربي والكلام العربي ، ففي كلمة التوحيد ( لا إله إلا الله ) نجد أن ما يمثل الجزء الأكبر هو ألف ، إذا اعتبرنا أن الألف يدخل أيضاً في تركيب حرف اللام ، لنرى أن هذه الكلمة تختلف عن أي كلمة أخرى ، بنسقها العمودي والمتنزل من الأعلى ، والقاطع أيضاً ، الذي لا يحتاج إلى الامتداد إلى الآخرين ، المتنزه ، المتفضل على من سواه . إن الحروف الأخرى دون الألف ، نجد أنه تعتمد بشكل أساسي على الانحناء ، كحروف ص ، ض ، ع ، و ، ح ، ف .. والانحناء يعبر عن المرونة والطواعية ، كما يعبر عن الاحتواء الذي يمثله الحضن المحتاج إلى الامتلاء بالشعور والإحساس بالرخاء ، فهو بحاجة إلى الآخر ، أي الفرد القارئ ، الذي يمثل جزءاً لا يتجزأ من الحرف نفسه ، والذي يشعر بالحنين نحو الحرف ، من دون أن يفهم أن سبب ذلك هو النداء العميق الذي يخرج من الانحناء الآسر ، بصورة فكرية ، أو لاشعورية ، لا نقوم بفهمها إلا على شكل حنين . فهناك علاقة تبادلية وثيقة بيننا وبين الخط ، فهو بحاجة إلينا ، كما أننا بحاجة ماسة إليه ، ومن هنا يعبر الحرف العربي عن تلك العلاقة الوثيقة بين الخطاط المبدع والمتلقي ، ككتلة جماعية ، قائمة على الرغبة في الآخر ومشاركته وجدانياً وعاطفياً ، وليس مادياً فقط ، حيث يصعب أن نجد مفهوماً للفردانيّة في المجتمعات العربية والإسلاميّة ، وهو ما عبّر عنه الحرف أصدق تعبير ... إن حرف النون بشكله المنحني ، المعبر عن الرغبة الملحة في الضم ، والنقطة الوحيدة التي تقوم عليه ، من دون أن تسقط فيه ، أو تلتصق به ، يعبر بشكل فلسفي عن الكونية التي لا تلتصق فيها الكواكب ببعضها ، أو بالأرضية التي يؤدي وجودها إلى الإحساس بالنقص والحاجة إلى السند والدعم ، وإنما تبقى معلقة في السماء ، سابحة في الفلك اللامرئي ، وقد أقسم الله تعالى بهذا الحرف لقيمته الكبرى فقال : ( ن~ . والقلم وما يسطرون ، ما أنت بنعمة ربك بمجنون ) سورة القلم ، راسماً النون بالشكل وليس بالصوت ، وإذن فقد شبه الله تعالى احتضانه لنبيه بهذا الحرف بالذات ، بما يعبر عنه من حنان ودفء ، ورغبة في العودة إلى الأصل . وهكذا نجد معظم الحروف دون الانحناء _ وهي هنا كل الحروف العربية تقريباً – تحاول ضم أحاسيسنا أو استدعائها ، حيث نقوم بملأ الفراغات التي تتركها لنا ، عن طريق الانحناء ، برغباتنا وعواطفنا وهواجسنا ، متيحة لنا ، التعبير عن ذلك بصورة فنية ، ولو نتأمل الحروف العربية أكثر ، فسنجد أنها توفر مساحة لا بأس بها من هذه الفراغات الدالة على هذه القيمة الكبيرة في التواصل ، فكل الحروف تقريباً ، كالهاء والقاف والميم والحاء والراء والواو ، تترك فراغاً ، سواء كان مغلقاً أو مفتوحاً ، وسواء كان فراغاً واحداً أو متعدداً ، بما يتيح للشعور بالتنوع والتناغم أيضاً . إن الخاصية الأخرى للحرف العربي ، هي الميلان أثناء الكتابة ، والذي يحمل قيمة صوفية ، تتجلى في الثقافة العربية كلها ، كالرقص الصوفي ، والميلان الروحي ، الذي نجد له مثيلاً في الحركة الطبيعية ، كانحناء الأشجار والأنهار ، وتموجات الرمل الأساسية ، والتي ربما كان لها أكبر الأثر في تشكيل هذا الميلان ، بما يرينا أن الحرف العربي ، ليس وليد الصراع أو الانقلاب ، وإنما وليد التواصل الطبيعي ، واستلهامه حضارياً ، حيث يواصل الخط الطبيعي ، ميلانه بكل حرية ( كون الميلان ميّزة أساسية في الخلق الكوني ) فلا يجد ثقافياً واجتماعياً ما يؤدي إلى تحريف هذه الطبيعية، أو يضغط عليها ليقولبها في أطر ثقافية جامدة ، وحتى الخط الكوفي الذي يعتمد على وضع الحدود الهندسية للحرف ، لم يسمح بقيام مثل هذه الرؤية فيه ، بل إن هندسيته قامت أساساً على الميلان وتوظيفه بنفس القدر مع التحديد ، وهذا يعطينا فكرة عن المرونة التي يتميّز بها الخط العربي ، والحرية التي يتيحها لاستيعاب متضمنات الطبيعة ، وإدماجها في الأنساق الاجتماعية والثقافية . إن الميلان منطلق هام عن الإحساس بالحرية في الفضاء اللامتناهي ، الحامل لقيم دافئة لا وجود للسقوط أو الاصطدام الحاد فيها ، وإنما للقدرة الفائقة على التكيف والتناغم مع الآخر ، وعدم الصراع معه ، وهو ما يقوم به الخط العربي بصورة معجزة حقاً ، وهذا ما لا نجده في الخط اللاتيني مثلاً ، حيث تمثل الزاوية الحادة بعداً أساسياً فيه ، بما ينبئ عن قيم مختلفة تماماً ، كالصراع والصدام والبرودة والانقطاع ، وبهذا يمكن للخط العربي أن يلعب دوراً كبيراً حتى في مجال بعيد عنه ، وهو مجال العلاج النفسي للتوترات والأمراض النفسية ، نظراً لقيم الدفء والتواصل التي يحملها ، وذلك بممارسة ما يمكن تسميته بالخط الروحي الذي يتيح الشعور بالحرية والانتماء إلى الكون ، وليس الانقطاع الذي يتسبب في غالب الأمراض النفسية . إن هذه الخصائص التي يحملها الخط العربي ، هي التي تجعلنا منبهرين ومبهوتين ومعلقين روحياً بلوحة لخطاط مقتدر ، استطاع أن يدمج فيها سائر العناصر الثقافية والأخلاقية والفلسفية ... حتى مع صعوبة قراءة ما استطاع تشكيله ، إذ أن لغة الأحاسيس لا تحتاج كثيراً إلى لغة العقل أو المنطق كي يساعدها في عملية التواصل مع الثقافة . الارتباطية والتواصلية في الخط العربي : لقد أدركنا حتى الآن كيف نقرأ حرفاً وحيداً ، قائماً بذاته له خاصيات التفرد والتألق والشموخ ، إلا أن وجود الحرف في كيانات أخرى مثله يحتم علينا أن نعرف كيف تتواصل الحروف فيما بينها لتشكل كلمة لها مستقر في العقل والقلب ، وتأمل الحروف ينبئنا عن الارتباط الوثيق الذي تكنه الحروف لبعضها البعض ، فكل حرف يعدل في خصائصه وشكله في عملية الارتباط هذه ، فحرف اللام هو حرف الألف زائداً الحضن النوني الذي يعبر كما قلنا عن الضم ، إلا أن ارتباط اللام بالأحرف الأخرى ، يجعله يسحب حضنه هذا ويعدله بما يتماشى مع رغبة واحتياجات الحرف التالي ، وكأنه قد وجد رفيقه الذي أرضى تلك الرغبة في الضم ، فسحب ما يعبر عنها بما حقق التواصل والارتباط ، وكأنه فرح بلقائه ، كذلك نجد اللام في وسط الكلمة تمد يديها إلى الحرفين الموجودين على جنبيها ، حتى تحقق الارتباط ، ونفس الشيء يمكن قوله بالنسبة لكل الحروف ، حيث تقوم بتعديل كياناتها دون تحريف ، وهذا بغرض الارتباط بالأحرف الأخرى ، بما يزيد من الجمالية والروعة والتناسق . فلو تأملنا كيف يعدل الهاء وجوده في نهاية الكلمة ، فسننبهر بما يفعله ، خاصة حين يقوم بإغلاق نفسه ، في عملية أشبه ما تكون بالخلود إلى النوم ، ضامّاً ذاته إلى الوراء ، وكأنه كائن حي ، يحس ويشعر . كما إن لها ميّزة ثقافية تتجلى أكثر في الارتباط الوثيق بين المجتمعات العربية ، فهي كيانات متآلفة، لا تستطيع الحياة منعزلة في صورة فردية ، كما هي الحال في المجتمعات الغربية ، حيث نجد الخط قائماً كأحرف فردية ، لا تعدل من خصائصها إذا ما ارتبطت مع غيرها ، كما أن ارتباط الحروف العربية وتعديل نفسها في عملية الارتباط يخبرنا عن شكل العلاقات الاجتماعية السائدة ، فهي علاقات مرنة ، تنجذب إلى بعضها البعض ، وتتوحد في أشكال كثيرة ، كالصلاة والحج والسوق والحلق الدينية في المسجد ، والتي لا وجود للفرد الواحد فيها ، بل للجماعة التي تشكل مفهوماً شاسعاً في الثقافة العربية ، ومن هنا نشأت الكلمة العربية كتعبير عن الجماعية ، التي تصبح كياناً قائماً بذاته ، ليس من خلال الفراغ الذي يفصلها عن الكلمات الأخرى كما في اللغة اللاتينية ، وإنما من خلال الارتباط الخطي والمباشر فيها عبر التناغم والتآلف والانسجام . التناسقية في الخط العربي : يتميّز الخط العربي بالتناسق الشديد بين حروفه وكلماته ، حتى في ظل كونه لوحة فنية ، فالمسافات فيه محددة ، والفراغات متناغمة أشد التناغم مع الامتلاء ، والأسود متوائم مع الأبيض ، وأهمية التناسق هنا ، تكمن في قدرتها على إضفاء طابع أخلاقي ملزم على الحرف ، حيث يصعب أن نتقبل تشويهاً يتم في حرف أو لوحة ، إذ أن التشويه يعبر عن الشر والفساد وما هو مدنس في عرف المجتمع ، وبالتالي فإن المجتمعات العربية والإسلاميّة أمكنها أن تعبر عن هذه المثالية من خلال الخط ، وقراءة الخط من جديد تمكننا من التعرف على القيم الأخلاقية وأهمية المحافظة عليها ، والتي كانت سائدة أثناء نشوء الخط كفن وكحامل لقيم الثقافة ، والتي اختفت الآن وكادت تختفي من حياتنا الثقافية . لقد طوّر المجتمع العربي والإسلامي ذاته في فترة اتسمت بالعطاء الكبير والمتنوع ، وقد انعكس ذلك على فن كالخط ، حيث حمل خصائص الثقافة والحضارة وبقي محافظاً عليها حيناً من الدهر ، ونحن إذ نمارس الخط بعد أربعة عشر قرناً خلت ، ولا بد أن نتناغم معه فكرياً ووجدانياً ، مستلهمين تلك الخصائص السابقة ، والتي لا تزال موجودة رغم التطوّر الكبير الذي لفّها ، فألقى بغبار الزمن والتخلف عليها ، ولكنه لم يندثر ولم يتشوه وسيبقى له الرواد الذين يرفعون لواءه نحو المجد والعزة والفخار . بقلم الكاتب / معصوم محمد خلف مراجع البحث : _ فن الخط ، مصطفى أغور درمان ، مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلاميّة ، استانبول . _ موسوعة الخطوط العربية وزخارفها ، معروف زريق ، دار المعرفة . دمشق . _ الخط العربي . الدكتور عفيف البهنسي . دار الفكر ، دمشق . _ الخط العربي من خلال المخطوطات ، هدية مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية ، الرياض ، _ تاريخ الخط العربي وآدابه ، محمد طاهر الكردي المكي ، الجزء الثاني ، هدية من نفس المركز السابق . _ قصّة الكتابة العربية ، إبراهيم جمعة ط2 ، دار المعارف . 1967 سلسلة إقرأ ، القاهرة . _ الأدب الإسلامي، إنسانيته وعالميته، د/ عدنان علي رضا النحوي ، الرياض، دار النحوي.المملكة العربية السعودية . _مجلة الدوحة العدد 82- تشرين أول 1982م _ شبكة الانترنت ، موقع ضفاف الإبداع .عمر مناصرية