تحظى أسواق بيشة كغيرها من الأسواق في شبه جزيرة العرب بدور مهم في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وكذلك الأدبية فلم تكن تقتصر على البيع والشراء فقط، بل شمل الأمر لعدة مهام ومناشط أخرى فهي منبرٌ لتداول الأخبار المحلية والخارجية، ومقرٌ قضائيٌ فيه تُفَضُّ النزاعات وتقام الحدود الشرعية، وميدانٌ ومعسكرٌ لإقامة الجيوش ومنشطٌ للحفلات والمناسبات الاجتماعية كالأعياد وغيرها، ومن تلكم الأسواق سوق نِمْرَان التاريخي أُنموذجاً، اشتق اسم نِمْرَان من النمر العربي حيث إن بيشة قديماً كانت عريناً للأسود ومربىً للنعام وكِنَاساً للظباء. يقع السوق على ضفاف وادي بيشة من جهة الشرق. يبدأ نشاط السوق فجر يوم الخميس من كل أسبوع وطيلة يوم كامل. لقد كانت أول إشارة للسوق ما ذكره الرحالة الفرنسي موريس تاميزيه والذي زار بيشة في منتصف القرن الثالث عشر الهجري -التاسع عشر الميلادي، أثناء حملة محمد علي باشا على عسير 1834م - 1249ه فقال: وعددنا عدة قرى من هنا أولها نمران والتي تقف كالحامي في المقدمة». وقال عنه علّامة الجزيرة حمد الجاسر - يرحمه الله - «من أعظم أسواق الجزيرة التجارية لتوسط بيشة بين الحجاز ونجد اليمن ولخصوبة أرضها واعتدال جوها». ويقول الرحالة البريطاني سانت جون فيلبي الذي زار سوق نمران في منتصف القرن الهجري الماضي برفقة تاجر بيشة سعيد بن علي بن كَدَسَة: نمران المركز التجاري المحلي ويوم سوقها هو الخميس إنها السوق الرئيس للمقاطعة وتعنى بمجال واسع في المناشط التجارية، وخصوصاً فيما يتعلق باحتياجات الأهالي أثناء عطلة الأسبوع الجمعة «. ووصف لنا سوق نمران فقال: «كان السوق في مساحة كبيرة مربعة مبنية خارج البلدة، وتحيط بها تماماً صفوف من متاجر مبنية من اللبن لا يزيد ارتفاعها على ستة أقدام، كان للسوق مسجده الخاص، بالكاد أكثر ارتفاعاً من مستوى المتاجر». ويضيف فيلبي: لا تزال بيشة مركزاً تجارياً ينشط في مثل هذا الوقت في تجارة البُن مع اليمن بينما يتم إرسال جزء من الصمغ المنتج محلياً إلى عدن ومكة وتجارة الرقيق». ومن أهم معالم السوق التي يذكرها الرواة الأثلة المعمرة طرف السوق الشمالي والتي يستظل بها المسافرون ويعلقون عليها أمتعتهم، وجامع «قليحة»، وهناك قصر يحيى بن فائز، ومن طرفه الشرقي مسجد وقليب ابن معمَّر (حاكم بيشة عام 1344ه) وفي طرفه الشرقي الشمالي قصر الصَّفّار والذي يعرف بقصر (شدا) وقد صوّره الرحالة ثيسجر عام 1945م / 1364ه). ومن أعراف السوق ما يسمى بحرمة السوق بحيث لا يعتدي فيه أحد على أحد، ويعد من يدخل السوق آمناً على نفسه وماله هذه مقتطفات سريعة عن بيشة الغنّاء والتي عُرفت بتمورها ونمورها وبسوقها وسموقها، وإنني بهذه المناسبة ألتمس من الجهات المسؤولة أن تعتني بهذا السوق وغيره من الأسواق التاريخية وأقترح بناء ركن من السوق بطراز أثري ليكون رمزاً للسوق القديم. وتنظيم السوق وتوسعته ليكون نموذجاً فريداً ومَعْلماً متميزاً. ووضع لوحات إرشادية يستدل بها القادمون من خارج المحافظة. وكذلك وضع لوحات بداخل السوق يكتب فيها نبذة عن السوق وما قيل عنه ومكانته التاريخية والاجتماعية والتجارية.