إيران ولبنان: المؤسسات في بيروت والقرار في طهران حافظ الأسد لعب دوراً مهماً في فرض مساحة مهمة من النفوذ الإيراني في لبنان تحقيق مشروعات السيطرة الإيرانية على لبنان جزء من الحلم الفارسي العنصري للسيطرة على المنطقة إجماع دولي حول الدور الإرهابي لإيران في لبنان.. والمطالبة بتنسيق لوقفه النظام الإيراني استخدم لبنان كقاعدة لعملياته الإرهابية.. وتفجير السفارة العراقية ومقر المارينز أمثلة ظل لبنان لاعتبارات تاريخية ومذهبية هدفاً استراتيجياً ثابتاً في السياسة الخارجية لنظام الملالي في إيران، وذلك قبل حتى أن يستتب الأمر للخميني. هذا الأخير، ورغم تركيزه على ذبح وإفناء رموز المعارضة الإيرانية، إلا أن ذلك لم يمنعه من الانطلاق في تصريف استراتيجية (تصدير الثورة). فما هي الإرهاصات التاريخية للعلاقات بين البلدين؟ ولماذا يا ترى راهن الخميني على لبنان كحاضنة جديدة لعقيدة الولي الفقيه؟ إيرانولبنان: علاقات ممتدة في التاريخ الحديث يُرجع البعض تاريخ العلاقات بين إيرانولبنان إلى بدايات القرن الماضي، وبالضبط إلى عائلة عسيران ذات الأصول الإيرانية، حيث تم تسجيل بعض مظاهر الاحتفال بذكرى عاشوراء في مدينة النبطية الجنوبية والتي بدأتها بعض العائلات الإيرانية، لتتوطد العلاقات بين هذه الأخيرة وآل عسيران خصوصاً بعد خروج المستعمر العثماني من البلاد، ليتم تتويجها بتعيين دبلوماسي إيراني في مدينة صيدا الجنوبية منتصف العشرينات. على مستوى التمثيل الدبلوماسي الرسمي بين البلدين سيتم، في أيلول/سبتمبر 1942، تدشين أول قنصلية إيرانية في بيروت بمستوى قنصلية عامة. وبعد إعلان استقلال لبنان (سنة 1943) تم رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي بين البلدين إلى مستوى وزير مفوّض (عام 1946) ثم إلى مستوى سفير (عام 1958م). ظل تعامل بيروت مع طهران يتم وفق انضباط صارم لمبادئ السيادة الوطنية التي تنص عليها المواثيق والأعراف الدولية، بل وعرفت هذه العلاقات هزات سياسية ودبلوماسية متعددة، حيث دفع رفض لبنان سنة 1969م تسليم الجنرال الإيراني تيمور بختيار (مؤسس جهاز الاستخبارات «السافاك») حكومة الشاه إلى قطع علاقاتها الدبلوماسية مع لبنان. وفي تموز/يوليو سنة 1971، عادت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. وفي عام 1982 عادت العلاقات بين البلدين إلى القطيعة بسبب دخول القوات الإيرانية إلى الضاحية الجنوبية تحت مبررات مقاومة الاجتياح الإسرائيلي للبنان، لتنشب مواجهات مسلحة بين أتباع الرئيس اللبناني آنذاك أمين جميل والعناصر المسلحة الإيرانية ليصدر الرئيس جميل قراره بطرد السفير الإيراني من بيروت قبل أن تُستأنف العلاقات في شهر كانون الأول/ديسمبر عام 1983م. ليقتصر التمثيل الدبلوماسي بين البلدين في مستوى القائم بالأعمال وذلك إلى غاية سنة 1991م، حيث عرفت هذه العلاقات تطوراً نوعياً بعد زيارة وزير الخارجية اللبناني فارس بويز إلى طهران والإعلان عن تأليف اللجنة الاقتصادية المشتركة بين البلدين، والتي عقدت اول اجتماعاتها عام 1997م. ويبدو أن التوتر في العلاقات بين إيرانولبنان انتهى بهذه الأخيرة إلى الاعتراف بمساحة مهمة من النفوذ الإيراني في لبنان، حيث لعبت سورية حافظ الأسد، المتحالفة مع إيران، دوراً مهماً في فرض هذه المساحة، حين فرضت نفسها كفاعل رئيس في صناعة القرار السياسي اللبناني. وقد أصبح في حكم المعلوم أن حزب الله الإرهابي، الذراع العسكري والسياسي لإيران في لبنان، كان يتم توجيهه من خلال سفارة إيران في دمشق وليس بيروت، وهو مؤشر على الدور السوري المحوري في لبنان. الدوري السوري: ما له وما عليه على المستوى الاستراتيجي، وبالرغم من انهيار مفاهيم السيادة السياسية في لبنان، بعد تعاظم الدور الإيراني السوري في بلد الأرز، إلا أن سورية كان لها دور مهم، في إحدى الفترات، في الحد من النفوذ الإيراني في لبنان، ولعل المواجهات الدامية بين حزب الله وحركة أمل وسقوط مئات القتلى كانت صورة واضحة عن الصراع الإيراني-السوري والذي انتهى باعتراف طهران بالدور السوري في لبنان. وإذا كان الجميع قد صفق لخروج القوات السورية من لبنان في أعقاب اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، فإننا نعتقد بأن البلد لم يكن مهيئاً بعد لملء الفراغ العسكري والمؤسساتي الذي تركته دمشق، وحتى جامعة الدول العربية والأمم المتحدة لم تتحركا بالسرعة اللازمة لمساعدة لبنان على تحصين قراره السيادي كما كان سابقاً. في هذا السياق، نتج عن خروج القوات السورية آثار سياسية ومؤسساتية مهمة ويمكن حصرها في التالي: * قيام إيران، بدهاء استراتيجي كبير وتوقع مبكر لتطور الأمور، بالتحرك لملء الفراغ السياسي والعسكري والمؤسساتي في لبنان عبر الدعم اللا محدود لمنظمة حزب الله الإرهابي والذي نجح في اختراق المشهد السياسي وتحصين المواقع الشيعية واستمالة حتى بعض المؤلفة قلوبهم من السياسيين السنة. * عودة ميشيل عون من منفاه، وهو الذي كان من أشد خصوم التواجد الإيراني السوري في المنطقة، بعد «صفقة» أبرمها مع دمشقوطهران، دفعته إلى الانقلاب على حلفائه الكلاسيكيين بحجة إنكارهم ل»حجمه السياسي الحقيقي»، ليقوم بعقد «تفاهمات» مع «حزب الله» انتهت بتسليمه رئاسة الجمهورية في مقابل دعمه اللامشروط للتواجد الإيراني في لبنان فيما يشبه ميثاق «نصرالله-عون». أهمية لبنان الاستراتيجية لإيران: إن المشروع الإيراني في لبنان يؤكد الأهمية الجيوستراتيجية لهذا الأخير بالنسبة لطهران والتي تُطلق عليه «تقيّة» لقب «الصديق»، وما هو في الحقيقة إلا قاعدة سياسية وأمنية واستخباراتية على الخطوط الخارجية لإيران، وأيضا تنزيل مادي لمشروع طهران المتقدم للوصول إلى مياه المتوسط وإلى دول المشرق العربي في أفق تطبيق حلم الهلال الشيعي. ولعل تحقيق مشروعات السيطرة الإيرانية على لبنان هو جزء من الحلم الفارسي العنصري للسيطرة على المنطقة من خلال استراتيجية الشحن السياسي والتمويل المالي كأحد نقاط قوة تمدد هذا المشروع الهيمني-التوسعي في المنطقة العربية. جرائم إيران في لبنان: إن إكراهات المساحة المخصصة لهذه الحلقات تجعل من المستحيل رصد الجرائم التي تورط فيها النظام الإيراني الإرهابي في لبنان بل في المنطقة والعالم. وسنكتفي برصد أهم الجرائم التي تورط فيها مباشرة النظام الإيراني والتي كانت لها انعكاسات على صورة إيران في المنطقة والعالم. تفجير السفارة العراقية في بيروت عام 1981: استحضر العالم منذ أيام قليلة (15 ديسمبر 1981م) الذكرى الأليمة لتفجير السفارة العراقية في لبنان والتي وثقت الشهادات والتحقيقات ضلوع إيران المباشر في التخطيط لها وتنفيذها. وحول تفاصيل الجريمة الإرهابية، يحكي نواف شاذل طاقة (أخ حارث الطاقة الذي قضى في الحادث) «أن سيارة من نوع «فولفو كانت قد هُيئت بشكل متقن لتكون شبيهة تماماً بسيارة السفير العراقي في لبنان. وقد تسللت هذه السيارة إلى مبنى السفارة ظهيرة يوم 15 كانون الأول-ديسمبر 1981، وهي تحمل علم العراق ما دفع حراس السفارة إلى الاعتقاد بأن السفير كان خارج السفارة وأنه عائد إليها. وصادف أيضاً أن العارضات الحديدية لحماية السفارة كانت عاطلة في ذلك اليوم، مما لم يترك مجالاً لحراس السفارة للتأكد من السيارة بشكل كامل. وهكذا تمكنت هذه السيارة المفخخة من الوصول إلى مبنى السفارة العراقية الجديد الذي كان معلقاً على أربعة أعمدة لتنفجر تحت مكاتب الدائرة الصحفية مباشرة وتنهار السفارة بالكامل». أدى هذا الحادث الغادر إلى تدمير مبنى السفارة ومقتل أكثر من ستين دبلوماسياً من بينهم السفير العراقي في لبنان عبدالرزاق محمد لفتة وموظفين عراقيين فضلاً عن عدد من الزوار الذين كانوا في المبنى ساعة وقوع الانفجار، ومن بينهم السيدة بلقيس الراوي زوجة الشاعر نزار قباني. لقد اقترنت سياقات العملية الإرهابية بالحرب العراقية-الإيرانية حيث شكلت المنطقة ساحة حرب مفتوحة بين بغدادوطهران. هذه الأخيرة كانت تبحث عن ساحات جديدة لضرب العراق في أقل المناطق توقعاً وحماية في ظل الهزائم المتتالية التي مُنِيت بها القوات الإيرانية أمام نظيرتها العراقية. وقد شكلت لبنان بيئة استراتيجية مناسبة لتوجيه ضربة للعراق بالنظر إلى التحالف المعلن، آنذاك، بين إيران وسورية، وهو ما ظهر جلياً من خلال الضغوط التي مورست على لبنان التي لم تقدم أي متهم أو مشبه به في الحادث الإرهابي وقُيدت القضية ضد مجهول! ورغم أن جهات دولية وإقليمية تواطأت لعدم تداول الجريمة الإرهابية، إلا أن القرائن كلها قطعت بضلوع حزب الدعوة الشيعي العراقي في التفجير الانتحاري الذي قام به المدعو «أبو مريم الكرادي»، حيث قطعت شهادات لمسؤولين عراقيين حضروا مأتم حارث طاقة بأن التحقيقات توصلت إلى أن جهات حكومية سورية وإيرانية خططت لتفجير السفارة العراقية في بيروت وأن العمل قد نفذ بواسطة تنظيمات عراقية متطرفة عميلة لإيران. دليل آخر كشفته رسالة المدعو جابر الجابري وهو أحد عناصر حزب الدعوة، والذي شغل بعد احتلال العراق منصب الوكيل الأقدم لوزارة الثقافة العراقية، حيث تضمنت الرسالة التي نشرتها وسائل الإعلام بأن الجابري تدرب على حمل السلاح في الدورة العسكرية الأولى التي أقامها حزب الدعوة في جبال الزبداني على يد ضباط سرايا الدفاع السورية عام 1980، وأنه انتقل بعد ذلك للقتال في مناطق عديدة من بينها لبنانوالعراق. هذه الرسالة تمت مطابقتها مع القصيدة التي كتبها أبو مدين الموسوي (والذي ليس إلا الاسم الحركي الذي كان يُعرف به جابر الجابري قبل احتلال العراق) والتي تحمل عنوان «بلقيس أنت قتلتها»، وهو ما دفع بالعديد من السياسيين والحقوقيين إلى المطالبة بإعادة فتح قضية تفجير السفارة العراقية بناءً على المعلومات والشواهد الجديدة التي ظهرت. تفجير مقر المارينز في بيروت سنة 1983 قام أحد الإيرانيين من عناصر الحرس الثوري ويدعى إسماعيل العسكري بتنفيذ عملية انتحارية استهدفت، هذه المرة، مقر مشاة البحرية الأميركية، وهو التفجير الذي خلف مقتل 241 شخصاً وجرح أكثر من 100 من أفراد قوات المارينز وبعض المدنيين الأميركيين، وهي العملية التي اهتز لها الرأي العام المحلي في الولاياتالمتحدة الأميركية الذي استيقظ فجأة على حقيقة الوجه الإرهابي لإيران. هذا الحادث أعاد تداوله نائب الرئيس الأميركي مايك بنس في إحدى تصريحاته سنة 2017 والتي اعتبر فيها بأن تفجير مقر مشاة البحرية الأميركية في بيروت في 1983 كان الشرارة التي أطلقت الحرب على الإرهاب. وقال بنس «منذ 34 عاما، دُفعت أميركا إلى الحرب ضد عدو لا يشبه أي عدو آخر واجهت من قبل». وأضاف أن «تفجير ثكنات بيروت شكل الشرارة التي أطلقت حرباً نخوضها منذ ذلك الحين.. الحرب الشاملة على الإرهاب». عمليات التفجير: صناعة إيرانية خالصة أصبح في حكم المعلوم بأن جميع عمليات التفجير التي هزت لبنان كان مصدرها إيران تخطيطاً وتمويلاً وتنفيذاً، حيث يُعدُّ النظام الإيراني أكبر موزع لمتفجرات (IED) في العالم (improvised explosive IED device، ومعناها بالعربية: عبوة ناسفة مُرتجلة أو أداة تفجير مرتجلة، وتعرف أيضا بظ «متفجرات الطريق»). وتُستخدَم هذه المواد في تفجير السيارات والعربات المدرعة والبنايات الضخمة. وربما يستحضر المجتمع الدولي سلسلة العمليات الإرهابية التي تمت عن طريق «متفجرات الطريق» والتي ذهب ضحيتها معارضون للتوجهات السياسية والعسكرية لحزب الله وكذا النفوذ الإيراني في لبنان. لقد سبق لجريدة «الرياض» أن أفردت ملفاً كاملاً لعمليات الاغتيال والتفجير التي تورطت فيها إيران وأذرعها العسكرية في لبنان، ما خلق الإجماع حول الدور الإرهابي الذي لعبته إيران في لبنان والذي يفرض على دول المنطقة التحرك والتنسيق لوضع حد لحالة الفوضى التي يعرفها لبنان والتي أرخت بظلالها على الأمن القومي لدول المنطقة. تفجير السفارة العراقية في بيروت.. نفذه عملاء إيران تفجير مقر المارينز في بيروت.. النظام الإيراني المتهم الأول والوحيد