في كل عام، وخلال شهر ديسمبر، يحتفل العالم بيوم اللغة العربية، وقبل أيام، احتضنت المملكة وعلى ملعب جامعة الملك سعود بالعاصمة الرياض، كأس السوبر الإيطالية، بين فريقي لاتسيو وجوفنتوس، وخلال العرض الكروي قدم فريق جوفنتوس الإيطالي لفتة إنسانية رائعة بتزيين قمصان لاعبيه (الأسماء والأرقام) باللغة العربية كبادرة ثقافية لاقت استحسان الرياضيين العرب. لم تعد اللغة العربية اليوم بمفهوم اللغة المجردة أو الكلمات والأحرف التي تكتنزها مجلدات المعاجم والقواميس، بل إنها تعبر اليوم عن حالة ثقافية شاملة وهوية وحدوية متكاملة تحتضن الناطقين بها، ولعل هذا الأمر الاستثنائي يشكل قلقًا مريرًا وهاجسًا أليمًا لكل المشروعات المتربصة سياسيًا بالجغرافيا العربية (طهران وأنقرة). لا شك أن اللغة بمفهومها الإنساني تشبه الكائن الحي؛ لأنها تمتلك مقومات النمو والتطور، وربما تؤول في ظل ظروف معينة (أغلبها سياسية) إلى حالة الاندثار والانقراض، لكنها تبقى أحيانًا بصيغة التلفظ في اللسان، بينما تنعدم في رسم الحرف ك(الفارسية والمهرية والأمازيقية والنوبية)، التي هضمتها اللغة العربية بفضل عامل الإسلام وانتشاره في تلك البقاع، بينما بقيت اللغات عاملًا ثقافيًا تمايزيًا في محدوديتها الجغرافية. وفي أواخر القرن التاسع عشر، دق الأدباء ناقوس الخطر في مصر والشام بعد أن بدأت المصطلحات الإنجليزية والفارسية تتغلغل في عمق اللغة العربية من خلال النخبة المتأثرة بالحضارة الغربية حينها، وعلى إثرها أقيم مجمعان لغويان في دمشق والقاهرة، قاما بجهود جبارة في ابتكار المصطلحات الحديثة وتعريب الكلمات الأجنبية عبر قواعد اللغة المتواترة، وفي العصر الحديث تبعهما مجمعان لغويان في الشارقة وموريتانيا، ولا شك عندي أن فكرة المجمعات اللغوية تشكل عامل إثراء ثقافي في بيئتنا العربية، ولكنها في المقابل تظل أعمالًا متفرقة ومتباينة في جهودها لعدم وجود التنسيق البيني في نتائجها ومخرجاتها. وعلى الرغم من التهميش القسري الذي فرضه الأتراك (العثمانيون) إبان احتلالهم للجغرافيا العربية للهوية العربية مقابل منهجية التتريك، فقد ظلت الهوية العربية أداة موحدة للشعوب العربية في آسيا وإفريقيا، ويعد هذا الانتصار الثقافي – بوعي أو بدون وعي – سبيلًا حينها لاستعادة الهوية المسلوبة، وقد فسره بعض المؤرخين بأن الثقافات العريقة عصية على الاستئصال؛ أو لأن الإسلام كرابط ديني يتأصل مضمونًا على اللغة العربية، ولهذا بقيت العربية خالدة في نفوس أبنائها وناطقيها حتى الآن. وأخيرًا، لا شك أن تصريح أردوغان حول نيته إرسال قوات تركية إلى ليبيا هو تكرار للعبثية التاريخية الفاشلة، وحتمًا ستردعه الهوية العربية المتأصلة لدى الشباب الليبي الأقحاح، وستعيده خاسئًا وهو يجر أذيال خيبته تمامًا مثلما جرها أسلافه العثمانيون.