على مدار أكثر من نصف قرن، أدى احتلال الكيان الصهيوني للضفة الغربية بما في ذلك القدسالشرقية وقطاع غزة، إلى وقوع انتهاكات ممنهجة لحقوق الإنسان استهدفت الأشقاء الفلسطينيين وألحقت أضراراً تُخل بجميع جوانب الحياة اليومية في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة، طالت هذه الانتهاكات المتواصلة منذ يونيو 1967م المؤسسات الإعلامية التي يضعها الكيان الصهيوني على أجندة سياسات القرصنة التي يتبناها، ومازالت محطات التلفزيون والإذاعات والصحف الفلسطينية تتعرض لهجمات شرسة من التشويش والحصار والمداهمة والاقتحام والتدمير والتخريب ومن ثم الإغلاق واعتقال طواقمها، والاعتداء عليهم أثناء تأدية عملهم. وتتعاظم اعتداءات الاحتلال على وسائل الإعلام والصحفيين الفلسطينيين، فتارة تقتحم مقر إذاعة وتدمر أجهزتها وتصادرها وتقطع البث وتأمر بإغلاقها، وتارة أخرى تهدد التلفزيون الرسمي بالإغلاق، أو تطلق رصاصات الغدر تجاه صحفي أو مصور في مشهد أصبح اعتيادياً في مدن وقرى الضفة الغربية. ووثق تقرير «لجنة دعم الصحفيين» المختصة في متابعة شؤون الإعلام الفلسطيني، 92 انتهاكًا لحرية الصحافة خلال شهر سبتمبر الماضي فقط، تمثلت في استهداف الصحفيين بالرصاص المعدني وقنابل الغاز السام، ومنعهم وحرمانهم من السفر، وتعرضهم للضرب وغيره من وسائل العنف أو الإهانة والمعاملة الحاطة بالكرامة الإنسانية، واعتقالهم واحتجازهم ومنعهم بعنف من تغطية الأحداث والفعاليات ومداهمة منازلهم ومصادرة أدواتهم الصحفية. وفي تحرك عربي جماعي، انطلقت حملة تضامن واسعة مع الإعلام الفلسطيني دعت لها الأمانة العامة لجامعة الدول العربية (قطاع الإعلام والاتصال/ إدارة الأمانة الفنية لمجلس وزراء الإعلام العرب)، منذ منتصف الشهر الجاري، شاركت فيها وسائل الإعلام الرسمية العربية من خلال تخصيص موجة مفتوحة في القنوات العربية الرسمية لدعم المؤسسات الإعلامية المقدسية، خاصة تلفزيون فلسطين، وتسليط الضوء على ما تتعرض له المدينة من عدوان مفتوح يطال البشر والحجر والشجر، ويستهدف المقدسات والإرث التاريخي الذي يشهد على عروبة المدينة المقدسة. وقال وكيل وزارة الإعلام الفلسطينية يوسف المحمود، إن دعوة جامعة الدول العربية لإطلاق حملة تضامن مع الإعلام الفلسطيني وتلفزيون فلسطين والإعلاميين في القدسالمحتلة، جاءت استجابة لطلب وزارة الإعلام الفلسطينية، وتحمل دعوة الجامعة لوزارات الإعلام العربية رسائل مفادها أن الإعلام العربي منحاز بشكل كامل للإعلام وللقضية الفلسطينية التي ما زالت تشكل القضية المركزية للأمة العربية. خبراء ل «الرياض»: الكيان الصهيوني يحاول تكميم أفواه الإعلام لإخفاء جرائمه وأوضح المحمود أن الحملة جزء من فعاليات وأنشطة إعلامية متواصلة يدعو لها قطاع الإعلام في الجامعة العربية من أجل لتسليط الضوء على ما يجري في فلسطين ومن أجل تعزيز حضور القضية الفلسطينية في المشهد الإعلامي العربي. وكانت قوات الاحتلال الإسرائيلي قد اعتقلت طاقم تلفزيون فلسطين بمدينة القدسالمحتلة، في خرق صارخ وصريح لكل المواثيق الدولية التي تحمي الصحفيين خلال ممارسة عملهم الصحفي، وهو ما يعد استمرارا لاعتداءات إسرائيل المتواصلة والمبرمجة على المؤسسات الإعلامية الفلسطينية وانتهاك للسيادة الفلسطينية ومؤسساتها، واعتداء على حرية التعبير، والتي تعد مخالفة لقرار مجلس الأمن رقم (2222)، الداعي لتوفير الحماية للصحفيين، وضمان عدم إفلات المعتدين من العقاب. كما أغلقت قوات الاحتلال في نوفمبر الماضي مكاتب مؤسسات فلسطينية عاملة في القدسالشرقيةالمحتلة، وحظرت أنشطة تلفزيون فلسطين في القدسالمحتلة، وأغلقت مقر مديرية التربية والتعليم، واقتحمت المركز الصحي العربي، واستولت على جميع ملفاته وكاميرات المراقبة. ومن جانبه، قال السفير حازم أبو شنب القيادي بالمجلس الثوري لحركة فتح، إن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تنتهك القانون الدولي باعتدائها على الحريات العامة بشكل عام واعتدائها على حرية الصحافة والصحفيين، فهي تمنع خروج البيانات والمعلومات الخاصة بالممارسات العدوانية ضد المواطنين الفلسطينيين وضد المقدسات وضد ما هو عربي وفلسطيني بشكل كامل. وأشار أبو شنب في تصريحات ل»الرياض» إلى أن هذه الانتهاكات مستمرة منذ اللحظة الأولى للاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، وهي استكمال للدور الذي قامت به العصابات المسلحة لليهود الذين جلبتهم بريطانيا للسيطرة على فلسطين، وبالتالي حجم الاعتداءات والخرق للقوانين الدولية من قبل الاحتلال الإسرائيلي مستمر منذ ما يقارب القرن الكامل دون اكتراث للقانون الدولي. وأكد أبو شنب أن المؤازرة العربية مشكورة ومهمة، غير أنها لا تبدو ظاهرة جلية للمواطنين العاديين ولا حتى للإعلاميين المتخصصين، ولذلك من المهم تكثيف هذه الحملة والتضامن العربي مع القضية الفلسطينية بشكل عام ومع الصحفيين والإعلاميين الفلسطينيين حتى لا يشعر الفلسطينيون أنهم مقهورون، وحتى يستطيع المواطن العربي في السعودية وفي كل المنطقة العربية أن يعرف حقيقة ما يجري في فلسطين وما يجري ضد المقدسات الإسلامية والمسيحية. ولفت أبو شنب إلى أهمية مؤازرة الإعلامي الفلسطيني ومؤسسته حتى يستطيع أن يقوم بواجباته وهو مغطى في تكاليف عمله وإصاباته التي يتكبدها نتيجة الاحتلال الإسرائيلي، فالعديد من الإعلاميين يتعرض للإصابة ولكن لا يجد العلاج، وكذلك أن يتم نشر كل ما يرد من الصحفيين والإعلاميين والمؤسسات الفلسطينية في وسائل الإعلام العربي لفضح جرائم الاحتلال الإسرائيلي. كما شدد أبو شنب على ضرورة فرض عقوبات على سلطات الاحتلال الإسرائيلي وتفعيل القانون الدولي بمعاقبة كل من يعتدي على الإعلام الفلسطيني سواء أشخاص أو مؤسسات. بينما قال د. أحمد رفيق عوض، الأكاديمي والباحث في الشأن الإسرائيلي وأستاذ الصحافة في جامعة القدس، إن الاحتلال الإسرائيلي تعود على استهداف الصحفيين إما اعتقالا أو ضربا أو قتلا، بالإضافة إلى الاعتقالات الإدارية والإغلاقات وباقي المضايقات الأخرى، وبالتالي مسألة استهداف الصحفيين من قبل الاحتلال مازالت مستمرة إلى اليوم ولم تتوقف ولا للحظة من اللحظات. وبالنسبة لحملة التضامن العربي مع الإعلام الفلسطيني، قال عوض ل»الرياض» إنه على إخواننا العرب أن لا يتوقف الأمر على المستوى الإعلامي فقط، ولكن يجب أن تكون حملة منظمة وممنهجة تقوم على استغلال الوسائل القانونية ومحاصرة الاحتلال ونزع الشرعية عنه، وتحشيد موقف دولي لوقف هذا الاستهداف وهذا العقاب الجمعي للصحفيين، كما يجب وقف عمليات التطبيع ووقف زيارات الصحفيين العرب إلى إسرائيل تحت أي مسمى، ومحاصرة الصحافة الإسرائيلية في أي مكان عربي للتعامل بالمثل.