معلومٌ أنَّ اليومياتِ لونٌ كتابي ظهر في أوروبا في القرن الثامن عشر الميلادي استجابةً لحاجة الكتّاب للبوح عن دواخلهم وأسرارهم، لكن لم يكتسب هذا الشكل الأدبي رواجًا كالقصائد، أو الروايات، أو المسرحيات، أو القصص؛ حتى عند العرب لم تبلغ اليوميات شهرة الأجناس الأصيلة، وهو سبب كافٍ – في نظري – جعل النقاد يخلطونها بأدب السيرة الذاتية تارة، وأدب المذكرات تارة أخرى، وأدب الرسائل، والمصارحات، والمكاشفات، والاعترافات تارات أخر. وعلى الرغم من أن الغربيين خلطوها أحيانًا بالرسائل، والسير، وبعض الأشكال والألوان الأدبية الأخرى، غير أنهم كانوا – من حيث الإبداع - أكثر وفاءً لها من العرب، ومعروفة (يوميات صامويل بيبس) و(يوميات كارل يونغ) و(يوميات أدموند ويلسون) و(يوميات بودلير) و(يوميات كافكا) و(يوميات هنري أميل) و(يوميات دوستويفسكي) و(يوميات فرناندو بيسوا) و(يوميات جورج أورويل) و(يوميات ألبرتو مانغويل) و(يوميات سيلفيا بلاث) و(يوميات رامبرانت) وغيرها، في مقابل نزر قليل من اليوميات العربية التي لا تكاد تتعدى (يوميات الخليل) لخليل مردم بك، و(يوميات الواحات) لصنع الله إبراهيم، و(يوميات نص الليل) لمصطفى محمود، و(يوميات صحفي) لمحمد التازي، و(يوميات مأذون) لأحمد بدر، ونحوها من اليوميات التي لم تخلص في أكثرها للنظام الأجناسي اليومياتي، فضاعت بين السيرة، والرواية، والمقالة. لكن اليوميات ما زالت في الحقيقة تحتضر وتقاوم؛ هذا الاحتضار كان بفعل التوسع الذي ساعد على انتشاره بعض نقاد السيرة الذاتية الذين هضموا حق هذا اللون الأدبي الأصيل في قيمته، ووثائقيته، وحيويته، ومشهديته، مثله في هذا أدب المذكرات التي ضاعت هويتها في خضم هذه الأطماع الأجناسية غير العادلة، وأيًا يكن فإن اليوميات أدب متميز في قيمته الوصفية، والتسجيلية، والسرية، واليومية، وإن لم يكن مسرحًا لشعرية اللغة، أو أدبيتها. على أن هذا الحكم ليس على الإطلاق. وقديمًا ألّف الصاحب بن عباد (روزنامجته)، وهي يوميات أرسلها إلى أستاذه ابن العميد، يطلعه فيها على سائر مشاهداته، ومسموعاته، ومطارحاته، واجتماعاته برجال العلم والأدب، وتتطابق هذه (الروزنامجة) مع اليوميات الحديثة في كونها سجلاً، أو دفترًا، تدوّن فيه الملحوظات، والتجارب، والخبرات، كما أنها - أي الروزنامجة - تنطبق أيضًا على وصف بعضهم لليوميات بأنها «سجل للتجربة اليومية»، وهذا يشير إلى أصالة هذا اللون من الكتابة، كما يوجد كتاب آخر بعنوان (الروزنامجتان) للباخرزي، وهو قريب من مسلك (روزنامجة) الصاحب بن عباد. واليوم - مع الأسف - لا تقام لهذا الشكل الأدبي أهمية، لا من قبل الأدباء، ولا من قبل النقاد، على الرغم من كونه قادرًا على الدخول إلى عالم المخترعات، والتقانات، والبرمجيات أكثر من غيره، وعلى الرغم من تلاقحه مع العلوم، والفنون، والأجناس الأخرى.