كان يوم 11 من ديسمبر الجاري لحظة تاريخية مهمة بالنسبة لأرامكو السعودية والمملكة بشكل عام ففي هذا اليوم تم الانتهاء بنجاح من أكبر طرح أولي عام في التاريخ، حيث جمع 96 مليار ريال سعودي أو ما يعادل 25.6 مليار دولار مكذبة جميع الحملات المشككة والدعاوي المغرضة، حيث تم تسعيرها عند الحد الأعلى من نطاق التسعير، وتبدو ضخامة الطرح واضحة مقارنة مع إجمالي الأموال التي تم جمعها في جميع الطروحات الأولية العامة في السوق المالية السعودية بين عامي 2013 و2018 والتي بلغت 48.78 مليار ريال سعودي (13 مليار دولار أميركي)، ويعتبر الطرح الأولي العام لأرامكو خطوة مهمة لتسريع وتيرة النمو والتنويع الاقتصاديين للمملكة، وركيزة أساسية لرؤية السعودية 2030، إذ يساهم الطرح في زيادة سيولة السوق المالية السعودية التي جاءت ضمن طليعة قاطفي ثمار النجاح عبر تعزيز مكانتها كواحدة من أهم البورصات العالمية. وكما توقع المخططون والقائمون على الاكتتاب الأضخم في العالم كان الطلب قويا جدا من شريحتي المؤسسات والأفراد، وبلغ عدد المكتتبين الأفراد 5 ملايين مكتتب (يمثلون حوالي 15 % من إجمالي سكان المملكة)، وضمت شريحة المؤسسات مستثمرين من المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي ومستثمرين أجانب مؤهلين، وتمت تغطية شريحة المؤسسات بواقع 6.2 مرات بينما تمت تغطية شريحة الأفراد بواقع 1.5 مرة. وإجمالاً، تمت تغطية الاكتتاب العام بواقع 4.65 مرات، مما يشير إلى ارتفاع الطلب على أسهم الشركة، وأظهر مستوى الطلب القوي الثقة العالية بالشركة واستراتيجيتها للنمو، حيث بلغت قيمة إجمالي طلبات الاكتتاب ما يعادل 15 % من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة المسجل في العام 2018. وأظهر استقطاب الطرح لأكثر من 5 ملايين مساهم جديد من شريحة الأفراد، يمثلون ما يقارب 15 % من سكان المملكة، صورة حقيقة عكست للعالم أجمع ثقة المواطن السعودي والمقيم على أرض المملكة بجدوى الاستثمار المحلي، وصار المساهمون طرفاً مشاركاً في مستقبل الشركة وسعيها لتحقيق القيمة على المدى الطويل، في حين عم الفخر بتلك اللحظة الجميع احتفاء بتأكيد قوة وجدارة الاقتصاد الكلي للمملكة ممثلاً بجوهرة النفط وبقيادة الشركة وبالأرقام والإنجازات التي سجلها هذا الاكتتاب الذي عزز من سمعة واسم الشركة في الأسواق العالمية. وكان النجاح فوري المردود خصوصا على سوق الأسهم المحلي إذ أن الإدراج عزز حجم «تداول» لتصبح ضمن قائمة أكبر 10 بورصات في العالم من حيث القيمة السوقية الإجمالية، متفوقة على بورصتي الهند وتورنتو، وأسهم اكتتاب أرامكو في رفع القيمة السوقية ل «تداول» بواقع 1.7 تريليون دولار أميركي، ليصبح إجمالي قيمتها 2.3 تريليون دولار أميركي تقريباً، أي ما يعادل خمسة أضعاف حجم القيمة السوقية لبورصات دول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة، كما أنه قفز بترتيب «تداول» إلى المركز الرابع عالمياً من حيث حجم صفقات جمع رؤوس الأموال من المستثمرين للعام (2019م)، وينتظر الجميع أن يعزز هذا الاكتتاب الناجح مستوى سيولة السوق من خلال جذب المزيد من التدفقات الأجنبية السلبية والنشطة، خاصة بعد انضمام «تداول» إلى المؤشرين العالميين للأسواق الناشئة «إم إس سي آي» و»فوتسي راسل». يوجد حالياً حوالي 1650 مستثمرًا أجنبيًا مؤهلًا مسجلين في «تداول»، وهو رقم مرشح للزيادة بعد نجاح الإدراج الضخم، ووفقا لتقرير أبحاث للراجحي المالية، يمكن أن يضخ المستثمرين الأجانب المؤهلين (السلبيين والنشطين) تدفقات استثمارية بقيمة 3.8 مليارات دولار في أسهم أرامكو، ما سيمثل دفعة كبيرة لأحجام التداول في السوق المالية السعودية (علماً بأن متوسط حجم التداول اليومي للسوق بلغ 130 مليون سهم على مدى عام واحد). وبتداول سهم أرامكو في السوق سيخضع ذلك السهم لقوى العرض والطلب في السوق مثل أي شركة مدرجة أخرى ومن الممكن أن يتأثر السهم بظروف السوق العامة، وإقبال المستثمرين، وأخبار الشركة، ونتائجها المالية، بالإضافة طبعاً إلى سعر النفط،ولكن يجب أن لا ينسى الجميع ومعهم عموم المحللين والمنظرين في مختلف أرجاء العالم بأن أرامكو تحتل مكانة الصدارة في قطاع النفط، وتعتمد استراتيجية قوية لخلق القيمة من التوسع والتكامل الاستراتيجي لأعمال محفظتها، وبأن الشركة ملتزمة بتقديم حصص أرباح مستدامة ومتنامية عبر ظروف السوق ودورات الأسعار، كما أن مجلس الإدارة بها يعتزم توزيع أرباح مرحلية عادية لا تقل عن 75,0 مليار دولار للسنة التقويمية 2020م، بالإضافة إلى أي توزيعات أرباح خاصة محتملة. فأرامكو السعودية واثقة تماماً من أنها عبر استراتيجيتها وتركيزها على تحقيق نتائج جيدة ستواصل خلق القيمة للمساهمين على المدى الطويل، وستساعد تركيبة قاعدة المستثمرين (مالكي الأسهم الحرة المتاحة للتداول) في ضمان استقرار سعر الأسهم حتى عند تسييلها (1/3 لشريحة الأفراد و2/3 لشريحة المؤسسات).