بعد انتفاضة الشعبين اللبناني والعراقي خلال الأسابيع الماضية احتجاجا على سوء الأوضاع والوقوف صفا ضد التدخلات المدمرة للنظام الإيراني في البلدان العربية، خرج الشعب الإيراني الذي انتفض هو الآخر على مدار ال 13 يوما الأخيرة ولا تزال التظاهرات تعم 176 مدينة، عاقدين العزم على الإطاحة بالنظام. من جانبه، صرح شاهين قبادي عضو في اللجنة الخارجية للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، بأن عدد القتلي من المتظاهرين في إيران بلغ 600 شخص وما لا يقل عن 4000 جريح، مع استمرار حملات الاعتقال واسعة النطاق للنظام الاستبدادي. وقال علي صفوي، عضو لجنة الشؤون الخارجية بالمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية الذي يقع مقره في باريس: إن الاستبداد الدموي الحاكم يقتل المتظاهرين بشكل بشع وكارثي، حيث إن هناك أكثر من 4 آلاف جريح و 10 آلاف معتقل والعديد من المعتقلين يتم احتجازهم في المدارس، وهو ما يعد قمعاً مميتا ولكنه لم يفلح في إيقاف الانتفاضة. نيران انتفاضة لبنان والعراق تضرب العمق الاستراتيجي لقلب طهران وأكد صفوي أن حسابات النظام قد تغيرت مؤخرًا، لأنه مع الصناديق الفارغة من المال يواجه المرتزقة الإقليميون للنظام الذين اعتمدوا على التبذير والإسراف تهديدات خطيرة ل «عمقهم الاستراتيجي» في لبنان والعراق، بما يشير إلى أن وضع النظام بين خيارات السيئ والأسوأ. وفي سكون الليل دفع النظام القمعي بقوات الأمن الخاصة به في النقاط الحساسة لتكون مستعدة لقمع الاحتجاجات، لكن صحوة ويقظة الشعب صدمت الملالي، وأشعلت التظاهرات مثل النار في الهشيم في كل مكان، ولعب الشباب دوراً رئيساً فيها، واستهدف الغضب العام غير المسبوق الحكام الفاسدين، وعلى رأسهم الولي الفقيه علي خامنئي. ورفع المتظاهرون شعارات «الموت لخامنئي» و»الموت لروحاني»، و»الهدف هو الديموقراطية»، ولهذا العمق والأبعاد الواسعة التي ظهرت فيهما الانتفاضة أجبرت خامنئي على الظهور على المشهد فوراً، لينهي الخلاف والجدل الداخلي بين المسؤولين المذعورين من خلال إعطائه الأوامر بقمع من سماهم بمثيري الشغب، وعلى حد تعبيره، «قضى بسرعة على الاحتجاجات في مهدها». وأضاف صفوي أنّ انتفاضة أواخر شهر نوفمبر هذا العام استثنائية، وأكثر شجاعة بكثير من انتفاضات العام 2009 وانتفاضة يناير 2018، فهي أولاً تتويج لآلاف الحركات الاحتجاجية الأصغر والمتواصلة والمستمرة على مدار العام ونصف العام الماضيين، والتي تم تنفيذها من قبل المعلمين والطلاب والعمال والممرضين وسائقي الشاحنات والمواطنين المنهوبة أموالهم والمزارعين والتجار، كما أن قاسمهم المشترك هو أن جميع شرائح المجتمع الإيراني تقريبًا تجد أن الوضع الحالي لم يعد يطاق، بما يشير أنه وللمرة الأولى في تاريخ حكم هذا النظام، أن تقوم الطبقة الوسطى الحضرية، والقرى، والطبقة العاملة في المدن الأصغر، و»جيش العاطلين عن العمل»، والأقليات العرقية والدينية (كل الإيرانيين تقريبًا)، جميعهم بإحياء الشعور والإحساس الاستثنائي بالتضامن الوطني والشجاع ضد العدو المشترك. ولفت صفوي إلى أن هذه هي الميزة الخاصة التي اتسمت بها انتفاضة العام 1979، والتي أطاحت في نهاية المطاف بديكتاتورية الشاه الفاسدة، وتكمن الثالثة في سرعة توسع هذه الانتفاضة، فخلال 13 يوماً، توسعت لأكثر من 179 مدينة، الأمر الذي يوضح مدى الوضع الانفجاري للمجتمع، فمثل هذه الظروف تحتاج لشعلة واحدة فقط. وشدد صفوي على أن النظام نفسه أصبح ضعيفا وخائفا جداً، الفساد منتشر على نطاق واسع، حيث إن الاقتصاد سلبي بمعدل 9.5 % هذا العام، ومعدل البطالة أعلى من 40 %، ومعدل التضخم أعلى من 50 % وقيمة العملة الوطنية منهارة، وبالتالي هذا هو السبب في أن درجة تحمل نظام طهران للانتفاضات الأخيرة قد وصل إلى الصفر، ولجأ النظام إلى القتل غير المشروط للمتظاهرين وقطع الإنترنت خلال الساعات الأولى من الانتفاضة. وأشار صفوي إلى أن مستوى تنظيم التظاهرات أصبح أكثر تطوراً، فالنقطة المشتركة وغير المسبوقة لهذه التظاهرات هي أن الهجمات الواسعة في كل مدينة منتفضة تقريباً كان تستهدف المئات من مراكز النظام، مثل بنوك النظام والحوزات «الدينية» ومراكز الباسيج وقوات الحرس، وبالنسبة للجمهور العام، فإن هذه المراكز هي رموز للفساد، ويجب حرقها جميعها وتسويتها بالأرض كما النظام نفسه، فيما نجحت معاقل الانتفاضة التابعة لمنظمة مجاهدي خلق الإيرانية بعد نشاطات واسعة ودقيقة داخل البلاد خلال العامين ونصف العام الماضيين، إيجاد استمرارية ورابطة عميقة مع الجمهور العام. وكشفت انتفاضة الشعب الإيراني الملتهبة حقيقة القناع الذي يرتديه نظام الملالي من فرض سيطرته التي لا تتحقق إلا بحربة السلطة ونصب المشانق، وأن المجتمع الإيراني كان مجتمعا مليئا بالغضب والعصيان على حكم الملالي، وبمجرد أن يجد أصغر منفذ يلقي بشرارة الانتفاضة ضد نظام الملالي ويثور عليه كالبركان ليحرقه برمته ويخلص العالم من شروره. وبطبيعة الحال، يحاول النظام أن يعيد المياه إلى مجاريها بالمجاديف الخرقاء المتمثلة في إطلاق تظاهرات مضادة في المدن المختلفة، لكنه لم يتمكن على الإطلاق من التستر على ما ثبت في الانتفاضة التي أحرقت أمن النظام المزعوم في آن منذ الوهلة الأولى لانطلاقها وتحول إلى رماد، وشاهد كل العالم ارتعاش نظام الملالي وعدم استقراره، أمام الشعب المنتفض والذي يطالب العالم بإدانة جرائم النظام ضد الإنسانية ودعم دعواتهم وصرخاتهم من أجل الحرية.