توحد الرأي العالمي المهتم بالفن السابع على إبداء الرأي حول فيلم "الجوكر" ما بين معارض بشدة ومعجب بجنون؛ كل هذا الصخب كان يخدم الفيلم بشكل كبير على كل حال، قبل أن أشاهد الفيلم كنت أراهن أن نجاحه سيكون لسبب قوي، وهو (خواكين فينيكس). أدى (فينيكس) العام 1995م دوراً في فيلم "تو داي فور" مع النجمة (نيكول كيدمان)، وكان يبلغ من عمره عشرين عاماً، رغم ذلك ترك بصمته على الفيلم وفي ذاكرة المشاهدين؛ تعابيره الجسدية والنفسية، ضحكاته، وملامح وجهه المتماهية مع حالة الهذيان التي كان يعيشها، طريقته في الحديث، إنه ممثل يقنعك أنه خلق بتلك الشخصية التي أمامك على الشاشة. والمتابع لأعماله سيجد تاريخه الفني ثقيلاً بالأدوار الصعبة، لم يكن دوره في "الجوكر" أول تجربة له في تجسيد دور مضطرب نفسي، في فلمه "ذا ميستر" يؤدي دوراً غريباً لرجل نجا من الحرب العالمية الثانية يعاني من تراكمات نفسية وإدمانية خطيرة، تقوده نحو مصادفات غريبة، وتبرز الجانب المتطرف الحاد منه، كان يمثل وجانب وجهه الأيمن منقبض، وكتفاه مقوستان إلى الأمام، ولو كنت تشاهده في هذا الفيلم لأول مرة فلن تدرك أنه كان يتصنع هذه الانفعالات. في فيلم "جلادييتر" مثل الشخصية الهستيرية التي تشعرنا أن لها الحق في كل ما تفعله، فأصابنا بالحيرة، هل نتعاطف معه أم نخافه ونكرهه؟! بكل بساطة كان العامل السحري لشعبية (راسل كرو) -في الفيلم - وتجييش المشاعر الجماهيرية. تميز (فينيكس) أنه يخرج الشخصية من وصفها الروائي النظري إلى تجسيد واقعي يرغم المشاهد على تصديق ما يراه، من شاهد دوره في فيلم "كويلز" لن ينسى دور القس الراعي لمصحة المجانين بشخصيته النقية، والمخلصة لقضيتها. (خواكين فينيكس) يستمتع بعمله كفنان، ومن دون مطاردة مكشوفة للجوائز، حتى وصل إلى شخصية "الجوكر" المركبة، فتألق في أدائه المشهد الداخلي والخارجي، وألقى بموهبته وخبرته على الدور الثقيل بالتعبيرات الجسدية والصوتية، فخرجت الشخصية متفردة وغير مسبوقة إلى الحد الذي جعله يتجاوز أداء الراحل (هيث ليدجر) لنفس الشخصية. قصة الفيلم ليست غريبة أو جديدة، ولكن ماذا تستعرض قصة الجوكر؟ مهما يقدم للمرضى العصابيين من أدوية كيميائية فلن تكون أكثر من مهدئة للأعراض الانفعالية للمرضى؛ ويبقى الدافع الكبير نحو المرض أو علاجه مرتبطاً بشكل مباشر بالعلاقات الاجتماعية، والظروف العسيرة التي يمر بها الإنسان، فعند توقفه عن أخذ أدويته انسلخ من الشخصية المستسلمة لكل ما هو محيط بها لتظهر شخصية متهورة وانتقامية تسعى لتحقيق وجودها، أيضاً تطرح الصراع الأزلي بين طبقات المجتمع الغنية والفقيرة والتي أثارتها جريمة غير مخطط لها من "الجوكر" ولكن يتم استغلالها سياسياً بشكل خاطئ. لقد أدت الضحكة الهستيرية التي أداها (فينيكس) رسالتها؛ حيث إن المعاناة النفسية يكون وجهها الواقعي غالباً ضحكاً هستيرياً، أو إصراراً على خلق الطقوس المضحكة، حمل الفيلم رسالة قوية لعدم وجود حلول فعالة لمشكلة التنمر، والتمييز ضد كل مختلف في المجتمعات. لم تكن المقارنة بين أداء الراحل (ليدجر) وأداء (فينيكس) لنفس الدور عادلة، كلاهما أدّيا الدور بشكل غير عادي، وبما يتناسب مع ظروف العمل ككل، ومراحل تطور الشخصية.