في 26 ديسمبر 1991 أعلن مجلس السوفييت الأعلى الاعتراف باستقلال الجمهوريات السوفيتية السابقة ليسقط بذلك القطب الثاني في العالم ويسقط معه واحد من أهم وأكبر الأحلاف العسكريّة في التاريخ الحديث وهو حلف وارسو الذي انتهى رسمياً قبل ذلك مع إعلان حله في يوليو 1991 في آخر اجتماعٍ لقادة الحِلف في براغ. ومن مفارقات التاريخ هنا أن عدداً من دُوَل حِلف وارسو تسابقت مباشرة بعد انهيار المنظومة الشرقيّة إلى عضويّة حزب الناتو مثل التشيك، المجر، بلغاريا تلتها، إستونيا، ولاتفيا، وليتوانيا، ورومانيا، وسلوفاكيا، وسلوفينيا ثم لحقت كرواتيا وألبانيا ثم الجبل الأسود كآخر المنضمين العام 2017. ولكن الناتو تغير كثيراً أيضاً مع المتغيرات الجيوسياسيّة واختلاف محركات الصراع وأدواته في العالم ما جعل بعض منظري الحلف يقولون: إن الناتو بدأ بهدف المواجهة العسكريّة، ثم أصبح حلفًا للتعاون الاقتصادي والأمني. وبطبيعة الحال هذا القول تشكك فيه بعض عمليات الناتو العسكريّة مثل ما حصل في البوسنة والهرسك وكوسوفو في التسعينات ثم أفغانستان مع بداية الألفيّة الثانية ثم ليبيا 2011 ونحو 35 عمليّة عسكريّة للناتو في مختلف دول العالم خلال الفترة 1991 - 2012. ومن يقرأ التاريخ يدرك أن الأحلاف العسكريّة لا تعمر طويلاً؛ لأن مدارها المصلحة والعدو المشترك، وهذان العاملان متغيران في علاقات الدول. وهكذا تلاشى حلف (الريو) الذي دعمه وشارك فيه الأميركيون مع نحو 23 دولة في أميركا اللاتينيّة والأحلاف المثيلة في آسيا وإفريقيا. وكذلك إنهار وظهرت أحلاف عسكريّة بتغير المصالح والصنائع في ذروة الصراع بين المعسكرين الشرقي والغربي. ويبدو أن العلاقات الدوليّة الآن بدت أكثر مرونة في استبدال الأحلاف العسكريّة المؤسسة أيديولوجياً أو عرقياً على ما يمكن تسميته بأحلاف الملفات. هذا النوع من التحالفات يسمح إلى حد كبير بمرونة الحركة السياسيّة ويسهم في حسم الملفات المعقدة مثل ملف الإرهاب. ومن هنا ظهرت في منطقة الشرق الأوسط تحالفات ملفات مثل: التحالف الإسلامي العسكري لمحاربة الإرهاب (41 دولة)، التحالف الدولي لأمن وحماية حريّة الملاحة البحريّة (6 دول)، التحالف الدولي ضد داعش (81 دولة). وبالطبع لا يمكن نسيان الأحلاف (الاتفاقيات) الاقتصاديّة المتمثلة في الاتفاقيات الجماعيّة ومن أبرزها حلف بريكس المتضعضع حالياً والاتفاقيّة الأوروبيّة اليابانيّة التي ستمحي ما يزيد على 95 % من الرسوم الجمركيّة بين الطرفين حتى 2026. قال ومضى: بوابة الصمت لن تصمد طويلاً أمام المزيد من زحام الأسئلة!