شهدت العاصمة العراقية أمس مظاهر عنف بين القوات الأمنية والمتظاهرين الذين يطالبون ب»إسقاط النظام»، ويحتلون ليل نهار ساحة التحرير بوسط بغداد. وأصيب العشرات بجروح، بحسب ما قالت مصادر طبية لوكالة الأنباء الفرنسية، خلال مواجهات على جسر الجمهورية الذي يصل التحرير بالمنطقة الخضراء، وجسر السنك الموازي له. ومنذ الأول من أكتوبر، قتل 257 شخصاً خلال التظاهرات وأعمال العنف في العراق، بحسب أرقام رسمية، ومذ ذاك الحين، ووفقاً لمصادر طبية وأمنية، قتل سبعة متظاهرين على الأقل في بغداد، بعضهم بقنابل الغاز المسيل للدموع. وقتل شخص آخر في الناصرية بجنوب البلاد، برصاص حراس مقر مسؤول محلي. وأمام موجة الاحتجاجات التي تتزايد يوماً بعد يوم، وعد الرئيس برهم صالح بإجراء انتخابات نيابية مبكرة وفق قانون انتخابي جديد. وأكد رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي أنه مستعد للاستقالة إذا ما وجد البديل. لكن محمد الذي يتظاهر في ميدان التحرير قال: «الناس يدركون تماماً ما يحدث، لقد وصلنا إلى مرحلة مهمة ويجب ألا نفقد كل شيء من خلال قبول إصلاحات خاطئة» اقترحتها السلطة». من جهته، قال حيدر متظاهر آخر: «نجري انتخابات منذ 16 عاماً، ولم نستفد شيئاً». وأشار الرئيس العراقي إلى أنه من المرتقب تقديم القانون الانتخابي الجديد أمام البرلمان الأسبوع المقبل. وأغلق المحتجون كل الطرق المؤدية إلى ميناء أم قصر العراقي الرئيس المطل على الخليج السبت بعدما أطلقت قوات الأمن الذخيرة الحية والغاز المسيل للدموع باتجاههم. وعمليات الميناء متوقفة تماما منذ يوم الأربعاء بعد أن أغلق المحتجون مدخله للمرة الأولى يوم الثلاثاء. والاحتجاجات جزء من حركة جعلت عشرات الآلاف من العراقيين ينزلون إلى الشوارع للتظاهر رفضا للفساد وسوء حالة الخدمات العامة. وعلى صعيد آخر، أغلق المحتجون طرقا مؤدية إلى حقل مجنون النفطي السبت ومنعوا الموظفين من الوصول إلى هناك. لكن مصادر نفطية قالت إن العمليات لم تتأثر. من ناحيته قال الكاتب والمؤرخ العراقي توفيق التميمى: «العراق فقد الكثير من الوثائق والمخطوطات والآثار التي كانت مصدرا لتوثيق الذاكرة العراقية، والحفاظ عليها من التلف والنسيان»، مشيرا إلى أن الهوّةُ كبيرة بين الحكومة والشعب العراقى والتظاهرات الحالية عفوية في انطلاقتها واحتجاجاتها ومطالبها. وأشار التميمي، إلى أن التاريخ لا يكتب المذكرات الشخصية والشهادات الشفاهية، وإنما بالمخطوطات الموروثة والوثائق الصحيحة والآثار العمرانية والمكانية. وحول رؤيته لما يجرى من مستجدات على الساحة العراقية، أوضح التميمي، أنه بعد سقوط حكم صدام حسين، استبشر العراقيون خيراً بدخول العراق لعصر جديد يشهدون فيه حكماً ديموقراطياً وتداولاً سلمياً للسلطة، ولكن بعد ذلك فوجئ شعب العراق بأن التغيير لا يلبي طموحاتهم، وأن الديموقراطية التي حلموا بها نزلت من المظلات الأميركية على أرض هشة فأنتجت حكما مشوهاً. ولفت إلى أن الهوة أصبحت كبيرة بين الشعب العراقي والحكومات المتعاقبة بالبلاد. وقال: «ربما ازدادت تلك الهوة اتساعاً بين الشعب العراقي والحكومة الحالية، ولم يبق أمام الشعب العراقي إلا طريق الاحتجاج السلمي والتظاهرات الغاضبة، وهذه التظاهرات التي تجري بالعراق اليوم هي تظاهرات مختلفة ومتطورة نوعيا عن التظاهرات التى سبقتها، لأنها تظاهرات شباب حرم من حقوقه في الوظيفة والحرية والتعبير عن أفكاره». وأشار إلى أن تلك التظاهرات كانت عفوية فى انطلاقتها واحتجاجاتها ومطالبها، وأنه برغم ما تواجه به التظاهرات من عنف مفرط من قبل الحكومة وأنصارها، وبرغم سقوط شهداء ومصابين فى كل يوم، فإن الشعب العراقي لن يكف عن المطالبة بحقوقه العادلة حتى تحقيقها كاملة.