تؤكد المملكة مجدداً بقوة مضيها لإزاحة صادرات النفط الخام جانباً عن اقتصادها وتحييدها بنسبة 50 % في 2030، الذي وصف بالأمر المستحيل من بعض ساسة العالم، في ظل منافسة شرسة يشنها الاقتصاد السعودي غير النفطي الذي اقترب من تحقيق التحول الاقتصادي المذهل المرتكز بثقل على تنمية الإيرادات غير النفطية برفع قيمتها بنسبة 224 % لتصل إلى 530 مليار ريال في 2020. في الوقت الذي حققت الإيرادات غير النفطية للنصف الأول من 2019 رقما قياسيا جديدا بقيمة 162.115 مليار ريال، بزيادة نسبتها 14,4 %، تمثل نحو 51.7 % من إجمالي الإيرادات غير النفطية المستهدفة في ميزانية 2019 التي كانت 313.408 مليار ريال، في حين يبلغ متوسطها الحالي في 2019 حوالي 290 مليار ريال واردات غير نفطية، في دولة تهيمن على أكبر مكامن إنتاج وتصدير النفط في العالم والتي يشهد ناتجها المحلي الإجمالي نمواً سنوياً متزايداً ويتوقع أن يبلغ 2,8 ترليون ريال في 2019، إلى أن يصل لقيمة 3,1 ترليونات ريال. ويؤكد ما ذهب إليه البيان التمهيدي للميزانية العامة للدولة للعام المالي 2020، بمساهمة الإصلاحات في تعزيز الإيرادات غير النفطية بشكل ملحوظ، حيث بلغ متوسط الإيرادات غير النفطية قبل الإصلاحات منذ العام 2012 إلى العام 2016 حوالي 140 مليار ريال، بينما تضاعف متوسطها بعد الإصلاحات منذ العام 2017 إلى 2019 إلى حوالي 288 مليار ريال، ومن المتوقع ارتفاع نسبة الإيرادات غير النفطية إلى الناتج المحلي غير النفطي لتصل إلى 16 % في العام 2019، مقابل 7 % فقط في العام 2012. وهذا التطور امتداد للنمو المحقق في 2018 ببلوغ إجمالي إيرادات المملكة غير النفطية 291,3 مليار ريال، مرتفعة من 255,6 مليار ريال في 2017. خلق موارد اقتصادية وارتكزت الخطط على الضرورة القصوى لخلق موارد اقتصادية ديناميكية غير صادرات النفط تدعم التحولات الدائمة في سوق الطاقة العالمي التي تؤثر على عائدات النفط، ونجحت المملكة بالفعل وعلى الرغم من تأثر الإيرادات النفطية هذا العام بالتقلبات في الأسعار العالمية بالإضافة إلى اتفاقية أوبك+ لخفض الإنتاج، إلا أن نمو الإيرادات غير النفطية ساهم في تعويض جزء من هذا الانخفاض، في الوقت الذي تتميز الإيرادات غير النفطية بالاستقرار نتيجة ارتباطها بالنشاط الاقتصادي، حيث ساهم تعافي نمو النشاط الاقتصادي في العامين 2018 و2019 في تحسن أداء الإيرادات غير النفطية، فيما ينتظر أن تتحقق طموحات رفد الاقتصاد الوطني بمورد قوي غير بترولي باتحاد الصناعة والثروة المعدنية بمحفظة تفوق استثماراتها تريليوني ريال لتنافس كفة صادرات النفط الخام وتعينها في حال تدني عوائدها لاضطرابات سوق الطاقة العالمي. في حين تتجلى مخاطر شتى تهدد الاقتصاد العالمي وتعرقل مساعي نموه وتوجهاته المستقبلية وتعيق حركة التجارة الدولية وتدفق الاستثمار واستقرار الأسواق العالمية ومن أبرزها النزاعات التجارية التي دفعت العديد من المنظمات الدولية والمؤسسات المالية لخفض توقعات نمو الاقتصاد العالمي للسنتين المقبلتين، وعلى الرغم من المساعي التي بذلت في قمة العشرين في اليابان في 2019 التي ساهمت في خفض حدة التوتر، إلا أن النزاعات التجارية استمرت وامتدت عدوى عدم الاستقرار إلى عدة دول ومناطق مختلفة، كما انعكست هذه المخاطر على استقرار أسواق النفط حيث يشكل تراجع أسعار النفط والالتزام باتفاقيات الإنتاج النفطي مؤثرات معاكسة أخرى على التوقعات. فيما تكمن أهم التحديات الرئيسة في ضعف الطلب الخارجي للنفط من الشركاء التجاريين الأساسيين كأميركا وأوروبا والصين وروسيا، كما طالت تلك المخاطر استقرار أسواق النفط التي لم تكن بمنأى من التصدع، وهذه العقبات والمخاطر العالمية فرضت على الحكومات نهج سياسات التحوط وبذل جهود حثيثة في سبيل تعزيز الضبط المالي والإصلاحات الهيكلية لزيادة صلابة الاقتصاد وقدرته على تحمل الصدمات الخارجية. واستشهدت المالية بالتقلبات الكبيرة في أسواق النفط في 2019 وتراوحت بين 69 دولارا للبرميل خلال الربع الثاني لتعود وتنخفض إلى 62,8 دولارا للبرميل في سبتمبر الماضي في وقت تبذل أوبك+ جهودا لدعم استقرار أسواق النفط ما أسهم في انخفاض إنتاج أوبك خلال الربع الثاني الفائت بحوالي 510 آلاف برميل يومياً ليصل إلى 29.97 مليون برميل يوميًا مقارنة بالربع الأول، وتلك التقلبات هي التي تدفع الحكومة لتضع في مقدمة اهتماماتها التركيز على تنمية ورفع معدلات نمو الناتج المحلي غير النفطي باعتباره مقياسا رئيسا لحركة النشاط الاقتصادي وقدرته على تنمية فرص العمل في الاقتصاد. ونظرت الدولة بعين الاعتبار وفق سياساتها وبرامجها لتنمية الإيرادات لخلق مصادر ذات القيمة المضافة تمتاز بالتنوع للحد من تذبذب التدفقات المالية نتيجة لعدم استقرار أسعار النفط، ولتسهيل التخطيط المالي وانتظام تمويل المشروعات والبرامج المختلفة. وتلك الخطوات تبشر بتوقع إيرادات للسنة المالية الحالية 2019 بنحو 917 مليار ريال أي بنمو نسبته 1.2 % عن العام السابق، كما يتوقع أن تبلغ حوالي 833 مليار ريال في العام 2020 إلى أن تصل إلى 863 مليار ريال في العام 2022، ويعتمد هذا التوقع على الاستمرار في تحسن الأداء الاقتصادي مع استكمال تنفيذ المبادرات المعلنة سابقًا والرامية لتنمية الإيرادات في وقت تؤمل الحكومة أن يتضاعف الناتج المحلي الإجمالي للقطاع الصناعي في المملكة ما بين ثلاثة وأربعة أضعاف حتى العام 2020، مدعومة بالإضافة لبرنامج الصناعات الوطنية والخدمات اللوجستية الذي يستهدف الإسهام في الناتج المحلي بمبلغ 1,2 تريليون ريال بجذب استثمارات تقدر بقيمة 1,7 تريليون ريال بحلول 2030.