التطور المتزايد لحجم التجارة العالمية والانفتاح الاقتصادي، شكل تحدياً دولياً مستمراً أمام مكافحة جريمة غسيل الأموال، حيث يبلغ متوسط عمليات غسيل الأموال أكثر من ضعف قيمة الناتج العالمي من البترول حسب إحصائيات صندوق النقد الدولي، في ظل الكثير من العوامل التي ساعدت على تفشي هذه الجريمة، مثل عدم وجود الأنظمة القانونية الرادعة، وضعف الرقابة على البنوك وانعدام الشفافية في الحسابات المصرفية، والتوسع في وسائل الاتصال الحديثة، واعتماد التعامل النقدي عبر الإنترنت عالميا مما أدى لظهور ما يسمى بالغسيل الرقمي، ولا تزال عمليات غسيل الأموال تتطور أشكالها وصورها حتى أصبحت أكثر تعقيداً واستخدمت فيها أحدث الوسائل والتقنيات لإخفاء مصادر هذه الأموال. وتعرف جريمة غسيل الأموال بأنها عملية إضفاء الشرعية على الأموال الناتجة من الجريمة المنظمة، في محاولة لإخفاء المصدر الحقيقي للدخل، ويعرف القانونيون جريمة غسيل الأموال بأنها جريمة تبعية أي يفترض وقوع جريمة أصلية سابقة عليها، ولا يلزم إدانة الشخص بالجريمة الأصلية من أجل إدانته بجريمة غسل الأموال لكونها جريمة مستقلة، حيث ينصب نشاط غسيل الأموال على الأموال الناتجة عن الجريمة الأصلية التي غالباً ما يتم وقوعها في بلد غير البلد الذي يتم فيه غسيل الأموال، بمعنى بعثرة عناصر الجريمة عبر أكثر من دولة، وتمر جريمة غسيل الأموال عادة بعدة مراحل: منها إدخال هذه الأموال غير المشروعة في الدورة المالية من خلال توظيفها في الأنشطة التجارية المشروعة والتي تتميز بأن حجم السيولة مرتفع فيها جداً، وكذلك مرحلة تمويه وإخفاء المصدر الحقيقي للأموال عن طريق تهريبها إلى بعض الدول التي لا تملك قوانين مشددة تمنع جريمة غسيل الأموال وفيها تساهل في أنظمتها المالية والمصرفية يمكن استخدامها بطريقة غير مشروعة، وفي المرحلة الأخيرة يتم الدمج وإدخالها ضمن الدورة الاقتصادية لإضفاء الشرعية على تلك الأموال عن طريق استخدام تقنيات متطورة لتوظيف واستثمار الأموال، وفي هذه المرحلة يصعب اكتشاف الجريمة. وقد نصت المادة الثانية من نظام مكافحة غسيل الأموال على أنه (يعد مرتكباً لجريمة غسل الأموال كل من قام بأي من الأفعال الآتية (1) تحويل أموال أو نقلها أو إجراء أي عملية بها، مع علمه بأنها من متحصلات جريمة، لأجل إخفاء المصدر غير المشروع لتلك الأموال أو تمويهه، أو لأجل مساعدة أي شخص متورط في ارتكاب الجريمة الأصلية التي تحصّلت منها تلك الأموال للإفلات من عواقب ارتكابها، (2) اكتساب أموال أو حيازتها أو استخدامها، مع علمه بأنها من متحصلات جريمة أو مصدر غير مشروع، (3) إخفاء أو تمويه طبيعة أموال، أو مصدرها أو حركتها أو ملكيتها أو مكانها أو طريقة التصرف بها أو الحقوق المرتبطة بها، مع علمه بأنها من متحصلات جريمة، (4) الشروع في ارتكاب أي من الأفعال المنصوص عليها في الفقرات (1) (2) (3) من هذه المادة، أو الاشتراك في ارتكابها بطريق الاتفاق أو تأمين المساعدة أو التحريض أو تقديم المشورة أو التوجيه أو النصح أو التسهيل أو التواطؤ أو التستر أو التآمر)، كما نصت المادة الثالثة على أنه (يُعد الشخص الاعتباري مرتكباً جريمة غسل الأموال إذا ارتكب باسمه أو لحسابه أي من الأفعال الواردة في المادة (الثانية) من النظام، وذلك مع عدم الإخلال بالمسؤولية الجنائية لرؤساء وأعضاء مجالس إداراته أو مالكيه أو العاملين فيه أو ممثليه المفوضين أو مدققي حساباته، أو أي شخص طبيعي آخر يتصرف باسمه أو لحسابه). ونخلص إلى أن أهم مخاطر عمليات غسيل الأموال تكمن في آثارها السلبية والخطيرة التي قد تؤدي لانهيار الأسواق المالية من خلال لجوء بعض المستثمرين الجدد الذين لديهم قدرات كبيرة جداً إلى شراء الأوراق المالية ليس بهدف الاستثمار، ولكن من أجل إتمام مرحلة معينة من مراحل غسيل الأموال قبل تهريبها إلى الخارج مرة أخرى، وكذلك تهديد الشفافية والسمعة الحسنة في أسواق المال المحلية والدولية، ونعتقد أن الحماية القانونية والرقابة الأمنية تبدأ بتكثيف جهود مكافحة جريمة غسيل الأموال من خلال مراقبة الإيداعات والعمليات النقدية الكبيرة والمتكررة في الحسابات البنكية، ومتابعة التحويلات غير العادية داخلياً وخارجياً، ومراقبة العمليات المشبوهة التي تتم خارج البنوك مثل شراء المراكز المالية والتجارية والعقارية لاستعمالها لتغطية العمليات المالية، والتأكيد على نشر ثقافة التوعية بخطورة جريمة العصر وآثارها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، حتى لا تكون الأدوات والضحايا في مثل هذه الجرائم هم البسطاء.