ربما لم يتسنَّ لي هذا العام مباشرة فعاليات سوق عكاظ حضوريّا، لكنني حتما تابعت عبر الوسائل المرئية المختلفة كثيرًا من فعالياته، وأكثر ما أخذني إليه فيه جادّة عكاظ، والذاكرة البصرية الدرامية، وعلى الرغم من اختصارها على (الزمن العكاظي القديم ورموزه) إلا أنها مؤثرة وموحية، وكم تمنيت مزارات إسبوعية تحمل تاريخنا في أكثر من بقعة تخلّقت به وله.. فمثلا.. تمنيت مزارًا أسبوعيا أوحتى موسميا دراميا يحمل تاريخ المملكة في منطقة (المربّع) مثلا في الرياض أو حتى عبر مهرجان الجنادرية، فالتجسيد البصري الدرامي يترك أثرا عميقا يحفر التاريخ في النفوس.. قبل سنوات عبرت «أميركا» ووقفت حينها في فورت وورث (Fort worth) وفي منطقة Stock yard شمال ولاية تكساس الأميركية وعلى بعد ميلين ونصف إلى الشمال من مقاطعة تاررانت (Tarrant).. حيث جلست على طاولة مئوية من الخشب تنتظر قطارا مسروقًا أو لصوصا بقبّعاتٍ مقوّسة.. جميعهم لا يجيئون إلا باللونين الأسود والأبيض.. هكذا خلتُ المكان حينما جلست منتظرًا للقطار القديم الذي لا يجيء لكنه حتما مرّرَ لذاكرتي أفلام الكاوبوي وشغف البدايات الطفولية للتلفزيون، ذلك القطار كما يتذاكر التاريخ غيّر ملامح الموقع وأخذه إلى عالم السياحة بهويته القديمة.. فالتاريخ يحدثنا عن أنه قبل أكثر من مئة وعشرين عامًا تحديدًا قبل عام 1889م الذي شهد أول عبور للقطار في المنطقة.. كان رعاة البقر العاملون بتجارة الأبقار يتفيئون الوجود قبل عبورهم للنهر الأحمر في ولاية تكساس غرب أميركا.. يجتمعون على شؤونهم وشجونهم حتى وافاهم القطار فأخذ الموقع استراتيجيته التاريخية وتحول في آخر الأمر إلى مزار أسبوعي يشبه الكرنفال الدائم.. كل الملامح هناك تأخذك للتاريخ، الوجوه.. الثيران الكثيرة التي تعبر الشارع على شكل جماعات منظّمة يقودها فرسان وفارسات الكابوي بما عرف عنهم من رشاقة ومهارات مدهشة في التعامل مع الفروسية.. البنايات الكثيرة في الموقع.. كل التصاميم كما هي قبل مئة وخمسين عاما.. حتى سحنات السكان كلها بملامح تاريخ الغرب الأميركي التي قدمتها لنا السينما دائما على شكل رجالٍ يسبقون الرصاصات.. في (Fort worth) يحيا الإنسان المعاصر منذ صبيحة الأحد وحتى غروب شمسه من كل أسبوع يوما تاريخيّا مدهشا بكل تفاصيله، يغيب الحاضر فيه تماهيا مع الماضي وشدة تعلق أهله به، بائعو المحلات.. أطباق المطاعم.. أكواب القهوة.. الملابس التي تغوي النساء.. العروض التي يقدمها مصارعو الثيران.. نكهة العابرين في الشارع.. حتى السائحون يقتنون ماضيهم منهم ليصبح المكان بمجمله مستوردا من تاريخ قرن مضى.. فتحياه أعذب من الماضي وأصدق من الحاضر.. إنه عفوية الحياة في أكثر بلدان العالم مدنيّة وأكثر ولايات أميركا صناعةً!، عليه أفلا نستعيد تاريخنا الثري حياة ونحن نرفّه عن أنفسنا عبر هيئة تجيد الابتكار وتجسيد الرؤية وطنا؟!.