إنها الساعة الثالثة والنصف ظهراً توجهنا إلى قصر السندباد في المنطقة الخضراء التي تنتشر فيها المقرات الحكومية والبعثات الدبلوماسية، حيث سكن رئيس مجلس الوزراء العراقي السابق وزعيم ائتلاف النصر حيدر العبادي، لإجراء مقابلة صحفية معه. جماعات مسلحة داخل العراق تعمل ضد الدولة وتنفذ أجندات مشبوهة وعلى غير العادة الشوارع كانت غير مزدحمة ربما لنهاية الدوام الرسمي للدوائر الحكومية أو لارتفاع درجات الحرارة العالية التي تجاوزت ال42 درجة مئوية، ومن على جسر الطابقين في منطقة الجادرية الذي سلكنا في طريقنا له، ترى أن نهر دجلة يشق بغداد إلى قسمين الرصافة والكرخ، فيما يلفت النظر القصر الرئاسي على ضفاف دجلة. عبرنا جسراً آخر (المعلق) الذي كان مغلقاً في عهد العبادي، الذي استقبلنا بابتسامة عرف بها منذ توليه رئاسة الوزراء، مرحباً بنا في قصره، حيث تطرقنا في حوارنا معه إلى الكثير من القضايا السياسية والأمنية في العراق وأيضاً الإقليمية التي حدثت في عهد رئاسته والآن، كما عرجنا على العلاقات العراقية - السعودية. وأشاد العبادي بالإصلاحات التي قام بها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في المملكة. ونفى العبادي في لقاء خاص مع «الرياض» رغبته في سحب الثقة عن الحكومة العراقية الحالية برئاسة عادل عبدالمهدي. استفتاء كردستان خطأ استراتيجي وحرصت على إنهاء الأزمة بلا نقطة دم وذكر العبادي أن العلاقات العراقية - السعودية شهدت تطوراً كبيراً إبان حكومته. محذراً من قيام جهات صغيرة في المنطقة بإشعال فتيل الحرب فيها. وفيما يلي نص الحوار: * كيف تقرأ الوضع السياسي في العراق اليوم؟ * لدينا عملية سياسية في العراق، وهذه العملية السياسية فيها مشاكل ولكن درجة الحرية والديموقراطية واسعة جداً، بالتالي توجد اليوم حكومة اختارتها كتل في مجلس النواب، وهذه الحكومة قدمت برنامجاً وعليها أن تكمل هذا البرنامج، هناك وجهات نظر متباينة فيما يخص البرنامج الحكومي وما تم الإنجاز منه، كما تعرفون هذه الحكومة استلمت العراق أفضل بكثير مما كان عليه قبل أربع سنوات، فمن ناحية الأمن تم إنجاز ملف ممتاز، وهم باعترافهم من ناحية المال والاقتصاد يقولون بأن الحكومة الماضية تركت لنا رصيداً كبيراً، بينما نحن استلمنا ميزانية خاوية لم يكن فيها شيء بل مطلوبين جداً وهذه أيضاً ميزة للحكومة الحالية، كذلك الاستقرار أفضل من السابق بكثير واستطعنا أن نجعل من العراق منفتحاً على دول الجوار والوضع العالمي، فكل مقومات النجاح للحكومة الحالية موجودة لكن للأسف إلى الآن ننتظر فقد مضت أشهر كافية على هذه الحكومة، وكما تعرفون فإن الشهور الأولى مهمة جداً في عمر أي حكومة. * تصحيح طريق الحكومة من أين ينطلق؟ * نحن نمتلك دوراً رقابياً في البرلمان وكذلك لدينا دور سياسي ولدينا مواطنون والرأي العام يلعب دوراً مهماً فضلاً عن وجود علاقات مع رجالات الدولة ورجالات الحكومة فبهذا الإطار نؤثر، إذا الحكومة استطاعت أن تعبر المرحلة الحالية إلى أداء أفضل نحن نفرح، أما إذا لم تستطع وفشلت بالتالي سنفتش عن حلول أخرى. * ما الحل الأفضل؟ * هناك خشية لدى البعض في الحكومة من كل الإنجازات التي تحققت سابقاً، الآن يتم أكلها ويتم التراجع عنها، فإذا استمر هذا التراجع فإنها مشكلة، إحدى أهم المشاكل التي أؤشر إليها، نحن في الأربع سنوات عملنا على تقليل الإنفاق الحكومي غير الضروري (التقشف كان ضرورياً أثناء انخفاض أسعار النفط إلى 30 و35 دولاراً أنا هنا أتكلم عن الإنفاق الحكومي) فيتم إنفاقه من موازنة الدولة بدلاً من أن تذهب الى بناء مدارس والى إيجاد فرص عمل تذهب في الانفاق غير الضروري فقمنا بإيقاف ذلك، ويبدو الآن أن الحكومة عادت الى توسيع الانفاق الحكومي غير الضروري وهذه مشكلة، لأن الاقتصاد لن يتحسن ولن يتم إيجاد فرص عمل للعاطلين عن العمل ولن يتم توفير خدمات كافية للمواطنين وبالتالي فإن الاقتصاد لن يزدهر وهذه مشكلة أساسية في الوقت الحاضر،إذاً الحكومة لم تعمل على تعديلها، فإن الكساد يزداد وقلة الخدمات تزداد وفي نهاية المطاف الحكومة ستفشل، الأمر الثاني هو الوضع الأمني، فإن الوضع الأمني اليوم مستقر ونحن نريد من الوضع الأمني ان يكون تحت سيطرة الدولة لا خارج الدولة، وأنا لاحظت ان رئيس الوزراء أصدر أمراً ديوانياً حلّ بموجبه التشكيلات الأمنية خارج الدولة، بالطبع أنا أصدرت نظاماً في عام 2018 في نفس الاتجاه وهو ان ننظم كل هذه القوات كما أصدرت أيضاً أوامر ديوانية سابقة بمنع أي جهة من الجهات السياسية ان تتدخل في القوات الأمنية بما فيها "الحشد الشعبي"، اليوم لا زالت هنالك جماعات مسلحة تتحدى حتى الدولة ورئيس الوزراء وهذه مشكلة، الآن أنا بصراحة أؤكد مرة أخرى، نحن الذين نظمنا "الحشد الشعبي" بقانون، أردناه أن يكون ضمن إطار الدولة، أما تأتي جهات سياسية وجهات لها أجندة أخرى وجهات فاسدة تريد ان تستفيد من هذه المنظومة مادياً وسياسياً لمصالحها حتى تضعفها، هذا إضعاف للمقاتلين العراقيين ونحن نرفضه ونقف بالضد منه، والمشكلة أن البعض من هؤلاء قد تغول واصبح يحتل منصباً سياسياً ويمتلك ذراعاً في الأجهزة الأمنية، معنى هذا انه سيستخدم الأجهزة الأمنية والسلاح حتى في الانتخابات عن طريق تهديد المواطنين وترويعهم، وهذا الامر سيعمل على افشال عمليتنا السياسية والديموقراطية، العراقيون منذ انتخابات عام 2005 والى اليوم قدموا تضحيات وجهداً كبيراً حتى يثبتون العملية الديموقراطية في العراق، أما يأتي هؤلاء ويعبثون بها بهذه الطريقة فإن ذلك مرفوض، وهذه أيضاً إحدى المعالم التي نشاهدها لنجاح الحكومة من عدمه. * برأيك هل سيطبق قرار عادل عبدالمهدي بخصوص تنظيم عمل "الحشد الشعبي" على الرغم أنكم أول من قام بتنظيم "الحشد" حسب أمر إداري؟ * حدث اجتماع مع رئيس الوزراء وأكدنا له أن الأمر الديواني ليس مهماً، بل الأهم هو تنفيذ الأمر الديواني، لهذا يجب أن نرى خطوات فاعلة في تنفيذ الأمر الديواني، لأنه سيوفر حماية لمقاتلي "الحشد الشعبي" وللدولة وللمواطنين ولمصلحة العراق، والأمر الحسن كل القوى السياسية تؤيد ذلك، فأنا أدعو رئيس الوزراء القائد العام للقوات المسلحة أن يتحرك بقوة، ولا يخاف لومة لائم في هذا الشأن. * كيف تقيّم العلاقات العراقية - السعودية؟ * كما هو معروف تم فتح صفحة جديدة في هذه العلاقات وهذه صفحة مهمة، أردنا أن نترك الماضي المملوء بالخلافات منذ زمن النظام البائد، أنا لا أدعي بأننا قمنا بحل جميع الخلافات ولكن أدعي بأننا فتشنا عن مصالح مشتركة وهذه المصالح المشتركة نبني عليها والحمد لله أصبحت علاقات جيدة باحترام السيادة لكلا البلدين، والتعاون الاقتصادي بمجالات واسعة، التعاون على مستوى المنطقة، التعاون على مستوى العلاقات السياسية، فكل دولة تمتلك خصوصيتها ولها علاقات مع دول أخرى ولهذا لا نتدخل بشؤون الدول الأخرى، أتصور باننا أسسنا لعلاقات صحيحة وصحية يجب أن تبنى وتتطور، ونتطلع أن يتعاون القطاع الخاص في المملكة والقطاع الخاص في العراق وليس فقط على مستوى التعاون الحكومي إنما نريد تعاوناً في القطاع الأهلي ما بين الناس في هذا الإطار، كما هو معروف كان هناك طلب بفتح المجال الجوي لنقل الحجاج، وهذه جميعها تصب في مصلحة المواطنين ونحن نطمح في التوسع أكثر. * أربع سنوات حكمت العراق فيها كرئيس لحكومته كيف تقيمها خصوصاً مع بصمة تفجير الكرادة؟ * تفجير الكرادة كان ردة فعل ل"داعش" لأنه حدث بعد تحرير الفلوجة بعشرة أيام، أن الفلوجة قريبة من بغداد، وقد قالوا لي بأن أترك الفلوجة للأخير لأنها دموية ولن تستطيع تأخذها والحمد لله استطعنا فعل ذلك حررناها في حدود أيام، وكانت مفاجأة بالنسبة لهم، والإرهاب رد بعملية تفجير الكرادة، وأن الإرهاب كان موجوداً حول أطراف بغداد وكان مسيطراً على مناطق عدة، إن الإرهاب أراد أن يخلط الأوراق بهذه الطريقة بالانتقام أولاً ومن ثم إيقاع شرخ في العملية السياسية حتى توقف الحرب، وفعلاً أنا آسف فهناك قسم تحرك لاستغلال هذا التفجير حتى يسقطون الأوضاع، ويستخدمونها كجزء من الصراع السياسي من دون أن يستوعبوا أن الإرهاب من قام بها، بعضهم هاجم الحكومة ولم يهاجم الإرهابيين والحمد لله بسبب إصرارنا استمرينا فلقد كان عملاً اجرامياً والإرهاب حقق أهدافه الإجرامية في سقوط أعداد كبيرة من المواطنين الأبرياء، لقد قمنا بتحقيق شامل بصدد هذا الموضوع وجزء من عدد الضحايا كان بسبب عوامل ثانوية بسبب طريقة خزن المواد المعطرة، وطريقة غلق الأبواب، حيث كان من المفترض اتخاذ إجراءات ضد هؤلاء، فبعد دراسة الحادثة حتى هؤلاء أصابهم الضرر من التفجير عندما أصبحوا ضحايا، كانت حادثة مأساوية ولكن لماذا تُحمّل الحكومة هذه المأساة، عندما احتلت "داعش" الأراضي العراقية من يتحمل مسؤولية دخولها؟ يتحملها الذي جاء ب"داعش". * كان من المفترض اتخاذ إجراءات من جانبك باعتبارك القائد العام للقوات المسلحة؟ * القائد العام للقوات المسلحة ليس بقائد خاص حيث إن القائد العام يعطي الإرشادات من غير التدخل بشؤونها التفصيلية، فقطعاً على الأجهزة أن تقوم بواجباتها، إن مسؤولية القائد العام تُركز على التوجيه في حالات الحروب والعمل الاستخباري ولله الحمد نجحنا بهذا الأمر، كانوا يتوقعون مني بعصا سحرية ان أقضي على الإرهاب لكن لا يعلمون بأن الإرهاب توغل في البلد وأصبح لديه حواضن وخلايا وبعد عمل دؤوب الحمد لله تمكنا من كشف العمليات الإرهابية وهي في مرحلة التخطيط لا بمرحلة الوقوع وهذا كان هدفنا، إذ عندما عُينت بتولي منصب رئاسة الوزراء شاهدت الأجهزة الأمنية تعمل بشكل غريب حيث يقومون بالعمل عندما يتلقون بلاغاً بأن هناك سيارة مفخخة عليهم كشفها، حيث إن السيارة المفخخة قد دخلت بغداد وستنفجر بأي لحظة، قمنا بالعمل الاستخباري وأصبحنا نركز على كشف عمليات الخلايا والتصدي لها في لحظة التخطيط لا التنفيذ وهذا اعتبره انجازاً، في اعتقادي أن الكرادة كانت محاولة يائسة من ال"دواعش" لإيقافنا بالاستعانة ببعض الساسة السطحيين أو الذين لا يريدون منا تحقيق هذا النجاح، فإن أي نجاح في هذا الملف سيكشف خلل وفشل آخرين، إذ إن هناك قسماً أرادوا ان يتستروا على أخطائهم ويبينون بأنهم جميعاً فاشلون، ولهذا أؤكد لك بسبب هذا النجاحات كان هناك أشخاص يهاجمونا ويكذبون عندما نحقق انتصاراتنا بنفيهم ذلك وقولهم بفشل العمليات العسكرية، حيث إنه في عام 2015 في الأنبار كانوا يتحدثون عن وجود مقبرة جماعية لآلاف القتلى والأسرى للجيش العراقي في يد "داعش" وعندما بحثنا في الموضوع وجدناه مقبرة لثلاثة جنود في بيت مُفجر فأين هم من هذا الكلام؟، إن الجيش العراقي لا يتعرض لمذبحة لأنهم مقاتلون مدربون للقتال حتى مماتهم فالذين يتعرضون لمذبحة هم المواطنون العُزل، فكانت هناك إرادة لكسرنا حتى لا نحقق نجاحاً، والحمد لله أثبتنا عكس ذلك وأظن أن هذه قصة نجاح للبلد وقصة نجاح كبيرة. * القصة الأكبر هي استفتاء إقليم كردستان 25 سبتمبر 2017؟ * باعتقادي أن الاستفتاء كان من الأخطاء الفادحة التي ارتكبتها القيادة الكردية في الإقليم، وقد حذرتهم في وقتها بانهم سيقبلون على شيء خاطئ، وأي زعيم عراقي لن يقبل بتقسيم البلد، فنحن جميعاً شركاء في هذا البلد، وليس من حق شريك أن يمسك منشاراً ويبدأ بتقطيع البلد، كان خطأ استراتيجي فادح وقمنا بعملنا إزاءه، لكن كان لديّ أساسان مهمان كانا يحددان أسلوبي في التعامل مع الأزمة، أولاً منع سفك الدماء، وأمرت القوات الأمنية بذلك وكنت مشرفاً حتى على حركة القوات لحظة بلحظة في سبيل ألا تسفك الدماء، والحمد لله لم يحصل ذلك، بعض الجماعات في كردستان تدعي أن هناك سفكاً للدماء في منطقة "طوز خورماتو" ولكننا لم نهجم عليها، لأنها كانت تحت سيطرة قوات البيشمركة وليس هناك أي جيش أو شرطة في منطقة "طوز خورماتو"، هم الذين تصارعوا واعتدوا على السكان من التركمان والكرد، وكان للسكان رد فعل بخصوص هذا الاعتداء، وأصبح هناك لغطاً كبيراً فقمت بإرسال القوات الأمنية خلال 24 ساعة وسيطرت على الوضع، فهم الذين افتعلوا هذه المشكلة حتى يسببون مذبحة بين العرب والكرد وهذا خطأ، والحمد لله في كركوك وبقية المناطق لم تسفك قطرة دم واحدة، وتم السيطرة عليها ضمن حدود الدستور الذي يقول بأن كركوك ضمن السيطرة الاتحادية، والأمر الثاني هو توحيد البلد وكسب قلوب المواطنين، أنا لست مع العرب ضد الكرد فجميعهم مواطنون سواسية، لا أميز بين عربي وكردي، ولهذا أوصيت القوات الأمنية بأن تتعامل مع الجميع كمواطنين، فكما هو معروف بأن نصف المدينة من المواطنين الكرد والشرطة أكثرها من الكرد في كركوك، ولم أغير في ذلك شيء حتى أني لم أغير القيادات الكردية، ولكنني أرسلت قوات إضافية من جهاز مكافحة الإرهاب والشرطة الاتحادية ومن قطعات الجيش لإسناد هذه القوات، لأننا قضينا على "داعش" في الحويجة قبل قليل وأن الكثير من عناصر "داعش" هربت، وأردنا محاصرة هذه العناصر فخشينا أن تقوم هذه العناصر بعمليات إرهابية في كركوك، والحمد لله نجحنا ولم يحصل أي سفك للدماء وأن العلاقات الآن ما بين العرب والكرد في كركوك ممتازة أفضل مما كانت عليه تحت سيطرة قوات البيشمركة. * كيف ترى الإصلاحات التي يقوم بها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في المملكة العربية السعودية؟ * ما قام به الأمير محمد بن سلمان من إصلاحات تعتبر إصلاحات جريئة، وأعتقد أن المملكة تحتاج إلى هذه الإصلاحات، وأتمنى من هذه الإصلاحات الجريئة ان تستمر بشكل أوسع، وهذا أمر استراتيجي لأن مسيرة الإصلاح ليست خطوة واحدة أو خطوتين فهي مسيرة مستمرة وأتمنى لها النجاح. * هل هنالك مذكرات تعمل عليها؟ * نعم، وفكرت أن أكتبها باللغة الإنجليزية ليرى العالم ما حدث من وجهة نظرنا نحن العراقيين، لأن العالم نظر إلى ما حصل للعراق بأنه شيء كبير.