كثيراً ما نرى ونسمع عن مشاهد لا إنسانية بشعة توجع القلوب، تحمل من العنف والقسوة ما لا يقبله عقل، كالقتل - خطف - اغتصاب - عنف أسري.. تتعدد الوقائع المؤلمة ولكنها تظل قليلة ولا تمثل مجتمعنا المتماسك مطلقاً. اللا إنسانية لا تقتصر فقط على العنف الدموي بل تشمل كل فعل فيه إهدار لقيمة الإنسان وحقوقه والتعامل مع البشر بعنصرية وبقسوة، وما أكثر تلك النماذج التي نجدها في الحياة الاجتماعية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي ويعتقد أصحابها أن تسترهم خلف أسماء وهمية قد يحميهم ويعطيهم الحرية المطلقة في رمي سهامهم السلبية لتحطيم الآخرين وممارسة عنصريتهم المُنتنة على غيرهم. وبعيداً عن اللا إنسانية ما يهمنا هنا هو التركيز على الجانب الإنساني. فلسفة الإنسانية ترى أن الإنسان هو بؤرة الاهتمام في الحياة بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى؛ وكل إنسان يستحق العيش باحترام وكرامة ويتمتع بكامل حقوقه. ما أروع الإنسانية اليومية التي تنبع من داخل أرواحنا.. الإنسانية التي تتمثل حينما تصادف نملة في طريقك فتُكمل سيرك دون أن تؤذيها، تضع بقايا الطعام لقط جائع، تبتسم لعامل نظافة أو عاملة منزلية، مساعدة مُسن أو طفل، حتى الكلمة الطيبة والثناء الجميل للآخرين هي إنسانية قد تصنع يوم غيرك وتغمره بالسعادة.. وتطول قائمة الإنسانية اللانهائية الممتدة مع امتداد الأفق. تلك إنسانية داخلية لا تنتمي لثقافة معينة أو دين أو جنس، إنسانية تنبع من عمق روحي وتمتزج مع العمق الكوني فتظهر في أخلاقنا وممارساتنا الحياتية. إذا وهبك الله إنسانية كاملة فستعطي بلا مقابل، ستخلو مشاعرك من الكُره والبغض والحقد، ستصبح إنساناً سامياً راقياً جميلاً تحمل قلباً كبيراً يحتوي كل الكون داخله؛ حب كوني لكافة كائناته وجماداته. إذاً.. "ليس كل إنسان يستحق أن يكون إنسانا" فهناك من استغل سلطته الدنيوية لمد سوط ظلمه على كل من حوله وتجرد من رداء الإنسانية وانضم لسلالة الحيوانات بل هو أضل وأشقى. وهناك من تظاهر بالأخلاق أمام الناس وفي بيته كشف عن قناعه الحقيقي اللا إنساني.. ودهس بقايا إنسانيته بتسلطه الذكوري متناسياً قوة الجبار وجبروته. وهناك من ادّعى الإنسانية وفي أول منصب تقلّده وأول موقف صادفه خلع إنسانيته وركض خلف مصالحه المادية بطرق فاسدة وبمشاعر سوداء. الإنسانية هي قيم ثمينة من الأخلاق والرقي والسمو وحب الحياة والوجود والعطاء ولا يمتلكها الجميع، وأعظم إنسانية تجسدت في رسولنا محمد - صلى الله عليه وسلم - من خلال سيرته العطرة وحياته التي رسمت لنا طريقنا الإنساني القرآني، وكما ذكرت أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - في وصف نبينا العظيم: "كان خلقه القرآن" "فمتى يصبح الإنسان.. إنسانا"؟ تتمثل الإجابة في مقولة المهاتما غاندي: "يصبح الإنسان عظيماً تماماً بالقدر الذي يعمل فيه من أجل رعاية أخيه الإنسان".