"في بلادي المملكة العربية السعودية تأسست الدولة في العهد النبوي والخلافة الراشدة في المدينةالمنورة، ثم امتد نفوذها فتأسست الدولة الأموية في الشام والدولة العباسية في العراق" لك أن تتخيل أن هذه الحقائق لم تكن تظهر بوضوح في مناهج التربية الاجتماعية والمواطنة إلا هذا العام! عقودٌ من التورية على تاريخنا العظيم، وتجاهل مسيرتنا الحضارية منذ ممالك العرب الغابرة حتى فجر العهد السعودي قبل ثلاثمائة سنة، كل ذلك على حساب ترويج الفكرة الأممية وطمس فظائع الدولة العثمانية مع أجدادنا. كان الطالب السعودي يتخرج وهو يعرف عن حضارة الفراعنة في مصر، وعن ما بين النهرين في العراق، وغيرهما من حضارات الأمم والشعوب، لكنه يسمع همساً خجولاً عن ممالك العرب القديمة في بلادنا مثل الأنباط، ممكلة كندة، لحيان وغيرها، ولا يشعر أنه امتداد لتلك الحضارات التي سادت وأبدعت، يعرف تفاصيل العهد النبوي والخلافة الراشدة في المدينةالمنورة، وكأنها حضارة لا علاقة لها بأحفادها اليوم "نحن"! لا يستذكر أن الرجال الذين خرجوا من هذه البلاد هم من أسس الدولة الأموية ثم العباسية، وهم من تجاوز إفريقيا ووصلوا إلى أوروبا وتوغلوا في عمق آسيا. هذه الأرض الطيبة تعاقبت عليها حضارات متتالية، لكنها لم تأخذ نصيبها المستحق من مناهجنا الدراسية، وكأنها ازدهرت في مكان آخر، كل ذلك ترافق مع تجميل لصورة الدولة العثمانية، ومحاولة تجاهل ما فعله العثمانيون من فظائع في الرس والدرعية وضرما وشقراء و"سفربرلك" في المدينةالمنورة، حينما هجرت الحملة العثمانية الرجال للاتحاق بالجبهات التي تقاتل فيها. إن ما حدث لم يكن تحديثاً للمناهج؛ بل تصحيحاً لعرض حقائق حدثت هنا، سطر فيها أجدادنا صنوف البطولة والتضحية، يحتاج أبناؤنا وبناتنا أن يتعرفوا عليها بشكل أعمق، المهم أن لا نتوقف عند بضع صفحات في المناهج الدراسية، فما رأيناه عبر تويتر من ردود فعل مختلفة يؤكد أننا بحاجة للمزيد من توضيح الصورة الحقيقة لتاريخنا الشامخ، وحسناً فعلت دارة الملك عبدالعزيز حينما أعادت تحرير وتصميم خمسة عشر مقرراً دراسياً سوف يصافحها الطلاب هذا العام، تعزز الهوية والثقافة الوطنية. لابد أن يحفز طلاب الدراسات العليا لمزيد من التنقيب والنشر عن تلك الفترات، ناهيك عن دعم الأعمال الفنية التلفزيونية والسينمائية حتى تصل رسالتنا خارج حدودنا، فهي أفضل وسيلة اتصالية نستطيع من خلال تأريخ أمجادنا وإعادة الحقائق إلى نصابها.