الكود هو دليل إرشادي ملزم في حده الأدني الذي يفترض أنه لا يتعارض مع شروط السلامة العامة ولا يسمح بهدر الموارد دون حاجة، لكنه لا يقيد الأفكار، ولا يجعل من بناء المسجد عملية إنتاج مصنعي متكرر.. تفاجأت من عدد الذين اتصلوا أو أرسلوا يستفسرون عن ورشة "كود بناء المساجد" التي تنظمها وزارة الشؤون الإسلامية بالتعاون مع جائزة عبداللطيف الفوزان لعمارة المساجد نهاية هذا الأسبوع (الأربعاء والخميس" في مدينة الرياض، ومبعث استغرابي هو هذا الاهتمام بورشة متخصصة ذات طابع معماري هندسي تقني. لكن الذي ظهر لي أن الناس تشعر فعلاً بوجود مشكلة في بناء المساجد لدينا، وهذا يجعلهم يتطلعون إلى أي حل جاد ومنهجي وملزم. الورشة دون شك هي مقدمة لوضع آلية لتطوير المسجد وإعادة توزيعه المكاني كي يرتبط بالكثافات السكانية من ناحية ودراسة تكوينه المعماري وإعادة دوره كمختبر عميق لتطور الفن المعماري ومساهمته الأساسية في بناء الهوية الثقافية، لكن الأهم في هذه الورشة هو أنها ستعمل على وضع شروط ومعايير واضحة لوقف الهدر في الطاقة والمياه وسترفع من الاشتراطات الخاصة بالسلامة. الكود هو دليل إرشادي ملزم في حده الأدني الذي يفترض أنه لا يتعارض مع شروط السلامة العامة ولا يسمح بهدر الموارد دون حاجة، لكنه لا يقيد الأفكار، ولا يجعل من بناء المسجد عملية إنتاج مصنعي متكرر. إحدى القضايا التي أثيرت حول "كود بناء المساجد" هي علاقته بكود البناء السعودي، والحقيقة أنني لا أعلم لماذا هذه الحساسية من مسمى "كود" لأي نوع من أنواع المباني طالما أنه ما زال يقع ضمن دائرة كود البناء السعودي؛ أي أن هذه الورشة هي نوع من البحث التفصيلي الذي يوسع نطاق دائرة كود البناء في مجال عمارة المساجد ويفصل فيها. ولأضرب مثالاً على ذلك، نرى أن أنواع المساجد في المملكة تتكون من مساجد العيد والمركزية والجمع في الأحياء السكنية، ومساجد الصلوات اليومية، ومساجد الطرق، والمساجد التاريخية والمصليات. هذا التصنيف مثلاً لا يتناوله كود البناء ولا يشير له، ولو خضنا في المسائل التخطيطية، لا نجد كود البناء يتحدث عن المسجد وعلاقته بالكثافة السكانية وتحديد النطاق المكاني والكتلة العمرانية الخاصة به على هذا الأساس، وقس ذلك على جوانب السلامة والمسائل التقنية فضلاً عن أن تأثيث ومكملات المسجد ذات الطبيعة الخاصة التي ليس لها ذكر بتاتاً في كود البناء. ولو عدنا إلى المسائل الشرعية والتشريعية الخاصة بالمسجد سوف نجد أنها ذات خصوصية ومتفردة في طبيعتها ولا تتقاطع مع المباني الأخرى. في اعتقادي أن وجود عامود فقري هو كود البناء السعودي تتفرع منه أكواد تكون امتداداً وتوسعاً له مسألة ضرورية، ومن يرى أن في هذا تعارضاً مع عمل اللجنة الوطنية للكود السعودي سيكون قد أساء فهم فكرة إعطاء فرصة للعمل التخصصي لإثراء محتويات كود البناء، وجعلها أكثر قابلية للتنفيذ بدلاً من الاعتماد على كود عام فقط تنقصه كثير من التفاصيل. المسألة كلها تقع في كيفية إدارة العمل والتوفيق بين العام (كود البناء) والخاص (كود المساجد أو أي مبانٍ ذات خصوصية)، وهذا معمول به في جميع أنحاء العالم. هناك كودات خاصة بالمباني الصحية في بريطانيا وأميركا، وهي كودات معتمدة وملزمة، لكنها لا تتعارض مع الكود العام أبداً، بل تدعمه وتغذيه، وهذا ما يجب أن يحدث لدينا في المملكة. في تصوري المتواضع يجب أن لا تنتهي هذه الورشة إلا بتوقيع اتفاقية بين وزارة الشؤون الإسلامية واللجنة الوطنية لكود البناء، تؤكد على أن العمل المشترك هو من أجل رفع كفاءة المسجد كبمنى وكرمز، وأن كود بناء المساجد ملتزم بكود البناء (وهو ملتزم فعلاً كون جميع الإحالات التقنية مرتبطة بكود البناء إلا ما لم يرد له ذكر)، وأن هذا العمل ما هو إلا "توسع وتفصيل" للكود العام الذي هو الأساس، وأن دور وزارة الشؤون الإسلامية بصفتها راعية للمساجد ومسؤولة عنها، يحتم عليها أن تقوم بهذا الدور الذي سيطور من المسجد كمبنى، ويزيد من فاعليته الحضرية والمجتمعية، وسيقلل من الهدر في تشغيله دون أن يعارض هذا الدور الأساسي لكود البناء السعودي، وهذا ما أتوقع أن تتفهمه اللجنة الوطنية لكود البناء التي يفترض أن تفتح ذراعيها للجميع، وترحب بأي عمل يثري الكود طالما أنه لم ولن يعارضه، وملتزم ببنوده وتوجهاته.