لم أكن أتصور أن حياتي أو بمعني أدق نفسي، ستتغير كل هذا التغير بعد أن أحببتها -كلمة أحببتها- لا تعني أنني لم أحبها من قبل، لكن أقصد بها الحب عن قرب عن الاقتراب أكثر منها ومن حياتها، فقد قضيت سنوات طويلة بعيداً، كان لابد أن أملك حق الحديث عنها، ولو في كتاباتي أو الحديث مع نفسي، فقد كانت مجهولة لمن حولي. على أبواب الاكتئاب مثلاً، ومع هذا الحنان المفاجئ -الذي اكتسبته منها- أشعر بسعادة غامرة، لون أبيض يجعلني أشعر بالأشياء، أرى بوضوح، فجأة أصبحت حياتي مفهومة، مرتبة، تفاصيل صغيرة لم ألتفت إليها من قبل، شيء أهم من المبادئ والنفخة الكاذبة، من تلك الوحدة القصيرة الطويلة، لتصبح رغبتي وباقي حياتي هي تلك الكلمات. وعودي لها «كقطع السكر»، تمسك بها لتحلي بها مرارة أيامها، فسريعاً ما تذوب وتتلاشي حلاوتها، برغم اختلاف صديقاتها معها وتؤكد لهن أنهم «كاذبون»، فقد صدقته ولم تكن لتكذبه، وهو لم يكذب، لكن النهايات أكبر منها ومن أحلامها، أكبر من حكايات جددتها التي تقص لها حكاية الأميرة الجميلة التي سوف ينقذها الأمير علي حصانه الأبيض من أيدي الأشرار، لم تقرأ قصص الحب ك «روميو وجولييت» «عنتر وعبلة» والنهايات الواقعية، كانت فقط تصدق جددتها. مع أن الفرق بيني وبيها «ثلاثة أشهر فقط» إلا أنني أراها طفلة صغيرة، كالتي تختبئ في طيات الستارة أو تحت المائدة، وتبدو أيضاً هادئة بشكل مغيظ، لكن رحابة روحها تمنحها صلابة ومرحاً واعتزازاً، كالشمس التي تغمر الكون بضياء ساحر، تخطفني لوهلة قصيرة ذاكرة مضببة لحياة بعيدة، مواقف تعاملت فيها باستخفاف ولامبالاة فتشعرني بالخزي، كان لابد أن أكون «أباها» كما كانت تقول لي، يتيمة هي، واليتم هنا ليس فقدان الأب ولكن فقدان الإحساس بالأمان والحياة، تأخرت كثيراً في وعودي ولا أريدها أن تغضب مني، هي بالذات لا أقدر على غضبها. تلك النجوم البعيدة كعقد اللؤلؤ في صدر السماء، شاهدة على ليالي قضيناها ساهرين من الفرح والحنين، رفيقات فرحتنا ودموعنا وذكرياتنا، كنا نتمني أن نطير إليها ونلمسها، ولكن اكتشفنا متأخراً أنها أجسام متوجهة تحرق من يقترب إليها، لكنها ناصعة بجمال قلبها، هادئة بكل الهدوء في ضحكتها. أنا لا أعرف شيئاً يجلب الاطمئنان أكثر من صوتك، كم من الوقت سيمضي لأتجاوز خيبة فقدانه؟، أنا لا أبحث عن إجابة، بقدر ما أبحث عن معجزة تعيد لي تفاصيل صوتك في ذات المكان منذ سنوات. عمرو أبوالعطا