هي دور تتنوع أشكالها، لكن هدفها واحد. تجدها إما فوق سجاد المساجد، يشكلون حلقات، كل حلقة تحوي عمرًا بعينه ويتدارسون كتاب الله فيما بينهم، وتجدها دورًا مستقلة مخصصة فقط لهذا التوجه، تحوي الفصول كأي مدرسة، تحوي طلابًا، ومعلمين، وإدارة، سجلات وتنظيم، كأي مؤسسة بناءة، لكنها قطعًا تختلف عن أي مؤسسة أو حتى مدرسة أخرى. عرفتُ حلق التحفيظ في فترة متأخرة من حياتي بالرغم أن معظم مرتاديها وتلامذتها ينشأون عليها في فترات مبكرة جدًا من أعمارهم، لكني وأنا ناضجة أدركت ما معنى الالتحاق بإحداها، إنها حقًا مرتع للروح وحديقة للنفس وأنس للفؤاد، وبالفعل هي لا تحاكي أي مكان للتعليم التحقت به من قبل!. أن تنضم إلى التحفيظ معناه أن كتاب الرحمن يمسي جزءاً لا يتجزأ من حياتك، ولا يمضي يوم دون أن تنكب على آيات المصحف تراجع هذا وتحفظ ذاك، في التحفيظ سيخبرك معلمك أن تثبيت المحفوظ القديم أهم بكثير من حفظ الجديد، في التحفيظ ستفهم معنى المعلم كما ارتأيناه قديمًا مهذِّبًا وقريبًا من القلب، وستلمس حرصه على ما تحويه في قلبك من القرآن في كل حين، خبرتُ بين جدران هذه المدرسة الفريدة أيامًا أعدها من أسعد ما اختبرت في عمري، ليست الرفقة الجميلة فحسب، ولكن تحلقنا نذكر الله لساعات طويلة، شعور أن الملائكة تحفك كل يوم وتحضر تذاكركم، اختلاف الأعمار المذهل حتى إنك لتلقى من الطفولة في عمر الخامسة، وحتى الشيب والكهولة، علوم الدين الأخرى التي تتشربها دون وعي منك وتتسلل إلى أفعالك، تنعكس عليك في بيتك في عملك، وحتى في تعاطيك مع من حولك. إن معظم هذه الدور قائمة على أكتاف جمعيات خيرية، ولأصحاب القلوب الخيرة تلك أوجه شكري وثنائي وخالص دعواي، ومعي كل من ذاق في يوم حلو الانضمام للتحفيظ وروعة الأسرة التي يكوّنها معهم، وإليهمُ أيضا أوجه مناشدتي ألا يتوقفوا عن دعم براعم الخير هذه، فتلك أرض للأجر خصبة، وأرواح تندرج ما تبقى لهم في الدنيا وذكرى التحفيظ عالقة بأذهانهم وتزكو أنفسهم بآيات الله العطرة في صدورهم أبدا.