يتميز البشر عن بعضهم البعض بالكثير من الأمور الظاهرة والباطنة والتي تجعل منهم مختلفين في طرق تفكيرهم وحياتهم، وإذا ما أرادوا التعايش عليهم أن يتبعوا بعض القواعد والأساليب التي يتقبلها الجميع، وهي ما تجعلهم يحافظون على علاقتهم بالطرق المحببة والجيدة، وكل هذا يعود إلى ما يسمى الأخلاق، والتي تساعد على تنظيم سلوك الإنسان وهي مجموعة من المبادئ والقواعد التي تسهل للفرد حياته بالشكل الأكمل في كافة تعاملاته مع نفسه ومع خالقه سبحانه وتعالى، ومما لا شك فيه أن الأخلاق هي جوهر وروح الرسالات السماوية والتي منها الأخلاق الفاضلة، وقد اهتم ديننا الحنيف بها وجعلها أمراً أساسياً يحاسب عليه الفرد، فلا يحقق جوهره في ذاته إلا من خلال صورته الأخلاقية، سعياً بذلك إلى تجسيد القيم والفضائل التي تشكل جوهر الحياة الأخلاقية وغايتها، ولهذا فلقد أقر المفكرون والباحثون على مر تاريخ البشرية بأن حياة المجتمعات الإنسانية لا تستقيم من غير القيم الأخلاقية. يقول ابن القيم -رحمه الله- منشأ جميع الأخلاق السافلة وبنائها على أربعة أركان هي الجهل، والظلم، والشهوة، والغضب، وإذا ما استعرضنا كل ركن من هذه الأركان السابقة فالجهل يريه الحسن في صورة قبيح، والقبيح في صورة الحسن والكمال نقصاً والنقص كمال، والظلم يحمله على وضع الشيء في غير موضعه فيغضب في موضع الرضا، ويرضى في موضع الغضب ويجهل في موضع الأناة ويبخل في موضع البذل، ويبذل في موضع البخل ويحجم في موضع الإقدام ويقدم في موضع الإحجام ويلين في موضع الشدة ويشتد في موضع اللين ويتواضع في موضع العزة ويتكبر في موضع التواضع، والشهوة تحمله على الحرص، والشح، والبخل، والجشع، والذل والدناءات كلها. والغضب يحمله على الكبر، والحقد، والحسد، والعدوان، والسفه، ويتركب من بين كل خلقين من هذه الأخلاق أخلاق مذموم، ومنشأ تلك الأركان الأربعة هو إفراط النفس في الضعف، وإفراطها في القوة، فيتولد من إفراطها في الضعف المهانة والبخل، والخسة واللؤم، والذل والحرص، والشح وسفساف الأمور والأخلاق، ويتولد من إفراطها في القوةِ الظلمُ، والغضب، والحدة، والفحش، والطيش. وقفة: يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "الأدب لا يباع ولا يشترى، بل هو طابع في قلب من تربى، فليس الفقير من فقد الذهب وإنما الفقير من فقد الأخلاق والأدب".