في جولة استطلاعية ل»الرياض»، تم اكتشاف نقش أثري في قرية القرن بوادي ثروق بدوس في محافظة المندق بمنطقة الباحة، وعثر على النقش في حصن منيع من القرية حيث تم استخدامه للبناء مقلوباً مما يدلل على نقله من مكان ليس بالبعيد ولعله يشير إلى منبر ثروق الذي كان يصعد عليه زعماء دوس وقريش وتمارس عليه طقوس سواد بن قارب الدوسي قبل إسلامه رضي الله عنه ثم عاد خطيباً داعية إلى الله هو وذو النور الطفيل بن عمرو وأبو هريرة والحارث بن الطفيل وغيرهم من صحابة رسول الله رضي الله عنهم أجمعين. وفي الواقع إن النقش يحمل خصائص الخط الكوفي الممشوق من نوع المشق أو المد لأحرف الكاف والدال وإمالة أحرف الألف إلى اليمين وانعطاف الياء فهو يعود بخصائصه ما بين بداية القرن الهجري الأول وقد استمر حتى القرن الهجري الثاني. ويحمل نصاً تحذيرياً من القرآن الكريم من سورة الصافات، وتضمن النص المكتوب في ذلك النقش قوله تعالى: فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ (174) وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ (175) أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ (176) فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاء صَبَاحُ الْمُنذَرِينَ (177) ثم تكملة لثلاث مفردات غير واضحة ثم اسم من قام بالنقش وهو: (انا محمد بن عبدالله بن...) ويبدو أن تعرض الحجر للكسر أثناء التهذيب من قبل الذين قاموا باستخدامه للبناء أفقده الكثير من الكلمات، ولو افترضنا أن العمر الزمني لذلك الحصن هو200 عام فهذا يعني أن تلك الفترة مرت بجهل وظلام وحروب وأصبح من النادر وجود من يقرأ ويكتب في تلك الفترة لذلك تم استخدام الحجر مقلوباً رغم أنه يحتوي على آيات من القرآن الكريم. ثروق التاريخي وقرية القرن تقع في منتصف وادي ثروق التاريخي والممتد من الجنوب إلى الشمال بنحو 2كم ويتفرع منه وادي الخلصة وبه آثار صنم دوس «ذو الخلصة» قال ياقوت الحموي في معجم البلدان ثروق: اسم لقرية عظيمة لدوس بن عدثان بن زهران، جاء ذكرها في حديث حممة الدوسي وفي حديث الطفيل بن عمرو. وفيما يتعلق بسورة الصافات مكاناً وزماناً، وناسخاً، ومنسوخاً والآيات الواردة في النقش، قال ابن حزم في كتابه (الناسخ والمنسوخ في القرآن) الجزء الأول صفحة 51: سورة الصافات: مكية، وجميعها محكم غير أربع آيات: الأولى والثانية: قوله تعالى:»فتول عنهم حتى حين وأبصرهم فسوف يبصرون»* الآيتان (174، 175 / الصافات / 37) نسختا بآية السيف. الثالثة والرابعة: قوله تعالى: «وتول عنهم حتى حين وأبصر فسوف يبصرون» (178، 179 / الصافات) أيضاً نسختا بآية السيف. ورد في كتاب (تفسير الطبري جامع البيان. الجزء: 21 صفحة : 132) إن قوله تعالى: «وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ»: بمعنى وأنظرهم فسوف يرون ما يحل بهم من عقابنا. يقول: يبصرون يوم القيامة ما ضيعوا من أمر الله، وكفرهم بالله ورسوله وكتابه، وقال: فأبصرهم وأبصر، واحد. وقوله تعالى (أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ) يقول: فبنزول عذابنا بهم يستعجلونك يا محمد، وذلك قولهم للنبي: «مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ». وفيما يتعلق باسم كاتب النقش فإن هناك اسماء متشابهة وردت خلال الفترة الزمنية للنقش من 1 للهجرة حتى القرن الثاني ومنها محمد بن عبدالله بن حوالة الدوسي ورغم نسبته إلى دوس إلا أنه مستبعد أن يكون هو صاحب النقش لأنه من أهل الشام وحياته منذ ولادته حتى وفاته رضي الله عنه في الشام. وهناك محمد بن عبدالله بن عمرو بن العاص ولم أجد له أثراً في المراجع يربطه بدوس، أما الذي أرجح أن يكون هو صاحب النقش فهو محمد بن عبدالله بن عمرو بن عثمان بن عفان رضي الله عنهم جميعاً، لعدة أسباب منها صلة الرحم فجدته أم جده عمرو هي أم عمرو بن جندب بن عمرو بن حممة الدوسي زوج الخليفة الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه وهي من دوس بني منهب من موقع ذلك النقش. أما موقع النقش تاريخياً وما شهده من أحداث فقد ورد في سلسلة الأغاني، لأبي الفرج الأصفهانى، المجلد 13، صفحة: 147 أنّ الطفيل بن عمرو الدوسيّ خرج حتى أتى مكة حاجّاً، وقد بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم وهاجر إلى المدينة، وكان رجلاً يعصو العاصي البصير بالجراح، ولذلك يقال لولده بنو العاصي، فأرسلته قريش إلى النبي صلّى اللّه عليه وسلم وقالوا انظر لنا ما هذا الرجل، وما عنده؟ فأتى النبيّ صلّى اللّه عليه وسلم فعرض عليه الإسلام، فقال له: إنّي رجل شاعر، فاسمع ما أقول. فقال له النبي صلّى اللّه عليه وسلم: هات، فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم وأنا أقول فاستمع، ثم قرأ عليه سورتي الإخلاص، والفلق، ودعاه إلى الإسلام فأسلم، وعاد إلى قومه، فأتاهم في ليلة مطيرة ظلماء، حتى نزل بثروق، وهي قرية عظيمة لدوس فيها منبر، فلم يبصر أين يسلك، فأضاء له نور في طرف سوطه، فبهر الناس ذلك النور، وقالوا: نار أحدثت على القدوم ثم على ثروق لا تطفأ. فعلقوا يأخذون بسوطه فيخرج النور من بين أصابعهم، فدعا أبويه إلى الإسلام فأسلم أبوه ولم تسلم أمّه، ودعا قومه فلم يجبه إلا أبو هريرة، وكان هو وأهله في جبل يقال له ذو منعا فلقيه بطريق برحرح، وبلغنا أنه كان يزحف في العقبة من الظلمة وله أبيات شعر في ذلك. بلاد حصينة ثم أتى الطفيل بن عمرو النبيّ صلّى اللّه عليه وسلم ومعه أبو هريرة، فقال له ما وراءك؟ فقال: بلاد حصينة وكفر شديد. فتوضأ النبي صلّى اللّه عليه وسلم ثم قال: «اللهم اهد دوسا» ثلاث مرات. قال أبو هريرة: فلما صلّى النبي صلّى اللّه عليه وسلم خفت أن يدعو على قومي فيهلكوا، فصحت وا قوماه! فلما دعا لهم سرّي عني، ولم يحب الطفيل أن يدعو لهم لخلافهم عليه، فقال له: لم أحبّ هذا منك يا رسول اللّه. فقال له إن فيهم مثلك كثيراً. وكان جندب بن عمرو بن حممة بن عوف بن منهب بن دوس بن عدثان بن عبدالله بن زهران يقول في الجاهلية: إن للخلق خالقاً لا أعلم ما هو. فخرج حينئذ في خمسة وسبعين رجلاً حتى أتى النبي صلّى اللّه عليه وسلم. فأسلم وأسلموا. قال أبو هريرة ما زلت ألوي الآجرة بيدي، ثم لويت على وسطي حتى كأنّي بجاد أسود، وكان جندب يقرّبهم إلى النبيّ صلّى اللّه عليه وسلم رجلاً رجلاً، فيسلمون. وختاماً فإننا نوجه الدعوة إلى الهيئة العامة للسياحة والآثار، لتحديد هذا الموقع والحفاظ على ذلك الأثر المهم حتى لا يتعرض للعبث خصوصاً أن ذلك الحصن تقادمت عليه السنين وأصبح آيلاً للسقوط وبالتالي فإنه ربما يفقد أو يتعرض لخدوش أو عبث أو يفقد قيمته الأثرية. علماً أنه سبق وأن قمنا بتحقيق وتوثيق أهم أثر في دوس عبر جريدة «الرياض» سابقاً لبقايا صنم قديم يعود إلى ما قبل الإسلام ثم تجاوبت وكالة الآثار مع «الرياض» وحضر وفد منها رفيع المستوى وتم توثيق ذلك الأثر، ونقله إلى الرياض لفحصه والحفاظ عليه. النقش الأثري بني به مقلوباً الحصن موقع النقش بوادي ثروق النقش بالخط الكوفي منذ القرن الهجري الأول النقش بعد قراءته النقش كما يبدو كاملاً قبل القراءة