في صغري ارتبط التلفاز عندي وجهاز الفيديو القديم بأفلام كرتون بعينها، هذه الأفلام معظمها هي نتاج خالص من اليابان بكل ما حوته من فكر وحياة وقصص. «الأنمي» من العجيب أن آباءنا وأمهاتنا لا علم لهم بما تعنيه تلك الكلمة، وبرغم ذلك فلا يكاد يخلو بيت منها، تسللت وانتشرت، ورسخت محتواها في ذهون أطفالنا حول العالم العربي أجمع دونما أن يدري أحد من « الكبار» أو يتلفت لذلك، لا أعني مجرد التأثر بالحكاية والشخصيات وإنما ثقافة وفكر وعادات وتقاليد وحتى دين تغلغل في أذهاننا صغارًا ولما يتركنا قط حتى بعدما كبرنا وعَلِمنا وتعلّمنا مازال هذا الجزء الطفولي قابعًا بأثره معنا. لكن الاختلاف الشاسع والعظيم جدًا بين محتوى هذه الأنميات قديمًا وحديثًا هو ما أدعو للوقوف عنده ألف مرة، ولنأخذ مثلًا من الماضي وهو المسلسل الكارتوني «فلونة» يحكي المسلسل قصة سفينة ضخمة تحطمت في أعماق المحيط ولا يدري أحد ما صار إليه مآل ركابها الأثرياء لكن الحكاية تتناول أسرة كروزو التي تخبطت بهم الأمواج حتى أوصلتهم إلى اليابسة، وكانت تلك الأرض جزيرة مهجورة ومجهولة لا يدري بها أحد في وسط البحار، وتتوالى أحداث المسلسل في الصعاب التي واجهوها ثم البيت الذي شيده الأب برفقة ابنه الكبير فوق جذع شجرة ضخم، وأجمل ما في الحلقات هي أنها تعرض بشكل مفصل وممتع جداً كيفية صنع كل شيء استفادوا منه في الجزيرة، البيت بسقفه المصنوع من سعف النخيل، والأحذية المصنوعة من قوالب المطاط الذائب، الشموع، والصيد وغيرها، مثال آخر هو سلاحف النينجا، وحارس الفضاء «مازنجر»، مغامرات شتى تربى عليها جيل التسعينات. غير إن أبناء الجيل الحالي عرفوا نوعًا مختلفًا من الأنميات، تغيرت الألوان وتغيرت الرسومات وصارت أكثر احترافية، تعقدت القصص وطالت الحلقات كثيرًا حتى وصلت لما فوق الألف أحيانًا، وبالطبع تغير المحتوى المترسخ في أبنائنا كثيرًا، كثرت مواضيع الإلحاد الممزوجة بمهارة في أعطاف عالم القصص الملون الواسع حتى تتسرب إلينا دونما أن نستنكر أو نستغرب، حبنا للشخصيات وطول فترة تعايشنا معها وألفتنا للعالم الذي اخترعوه ومدنه وأطيافه كل هذا جعلنا نبتلع أي معنى يضمنونه لنا بمنتهى السهولة، ومؤخرًا امتلأ اليوتيوب بمقاطع فيديو للأنمي يعدها أغلبنا غير لائقة لعقول أطفال صغار، هذه المقاطع وضعت بأيدي أطفالنا، فقط أقول راقبوا ما يشاهده أبناؤكم، لا تأمنوهم على الأجهزة اللوحية، تذروها لساعات وساعات بين أيديهم وتمضوا مطمئنين بينما أبوابًا من الشر تفتح أمامهم، احرصوا على تعريفهم بسير الرسول صلى الله عليه وسلم وآله رضي الله عنهم احرصوا على تحبيبهم فيها، على النور الذي أطفأناه في كثير من منازلنا سامحين بقصص بطولة زائفة أن تعشش في أذهان أولادنا وتملأ قلوبهم وحياتهم للأبد بينما المجد الماضي منسي مندثر، احرصوا عليهم فهم قطع منكم لا تنفصل قط، وأنا وأنتم وكلنا عنهم مسؤولون ومساءلون.