أعلنت الرئاسة التونسية أمس وفاة الرئيس الباجي قائد السبسي عن 92 عاماً بعد ساعات من إدخاله إلى وحدة العناية الفائقة في المستشفى. وقالت الرئاسة بصفحتها على فيسبوك: "وافت المنية صباح اليوم الخميس "أمس" 25 جويلية 2019 في تمام الساعة العاشرة و25 دقيقة المغفور له -بإذن الله- رئيس الجمهورية محمد الباجي قايد السبسي بالمستشفى العسكري بتونس". وأوقف التلفزيون التونسي برامجه وبدأ بث آيات قرآنية. والسبسي المخضرم في السياسة هو ثاني أكبر رئيس دولة سناً في العالم بعد ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية، وقد بدت عليه علامات الضعف في شريط فيديو بثته الرئاسة الاثنين في مناسبة لقاء مع وزير الدفاع. وكان نجله حافظ قائد السبسي قال في وقت سابق أمس، إن الرئيس "في العناية الفائقة في المستشفى العسكري (في العاصمة) والأمور ليست على ما يرام". وكان الرئيس التونسي أُدخل المستشفى لعدة أيام في نهاية يونيو إثر إصابته "بوعكة صحية حادة". ويأتي ذلك فيما تحتفل تونس بذكرى إعلان الجمهورية عام 1957 الذي يلقي خلاله رئيس الدولة عادة خطابا. وفي بداية يوليو، أطلقت مجموعة من الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي وعدد من السياسيين في تونس حملة للمطالبة بالشفافية في التعاطي مع حالة الرئيس الصحية. وقرر ممثلون عن المجتمع المدني إلغاء مؤتمرهم الصحافي أمس إثر وفاة الرئيس، ودعوا كل الطبقة السياسية إلى تحمل مسؤولياتها في هذه الفترة التي تمر بها البلاد. وتواصل تونس طريقها في الانتقال الديموقراطي منذ 2011 بالرغم من الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الخانقة. تاريخ حافل حظي السياسي المخضرم، الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي بسجل سياسي حافل يعود إلى النصف الأول من القرن الماضي. وأعلنت الرئاسة التونسية أمس خبر وفاة السبسي عقب نقله الأربعاء إلى المستشفى العسكري بالعاصمة تونس. كان السبسي، المولود بضاحية سيدي بوسعيد الراقية بالعاصمة في العام 1926 وخريج كلية الحقوق في باريس العام 1950، شاهدا على بدايات تأسيس الدولة التونسية الحديثة إبان الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي في العام 1956، وقد تقلد عدة مناصب في حكومات متعاقبة منذ ذلك الحين. لكن تاريخ السبسي كمحام وسياسي بدأ فعليا قبل ذلك، حينما كان عضوا بالحزب الحر الدستوري الجديد الذي ناضل ضد الاستعمار، كما كان مستشارا للرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، باني دولة الاستقلال وأول رئيس لتونس. وقد ظل السبسي ينظر له حتى بعد وفاة بورقيبة العام 2000 كابنه الروحي وهو طالما كرر ذلك في خطاباته، على الرغم من مغادرته الحزب الاشتراكي الدستوري الحاكم في العام 1974 لتأييده الدعوات إلى إجراء إصلاحات سياسية قبل أن يعود إلى الحكومة في العام 1980. وشغل السبسي طيلة فترة حكم بورقيبة حقائب وزارية مهمة، بينها أساسا الدفاع والداخلية والخارجية. وبعد صعود الرئيس السابق زين العابدين بن علي إلى سدة الحكم في انقلاب أبيض العام 1987، انتخب في البرلمان وتولى رئاسته بين عامي 1990 و1991. تجنب الانزلاق وبعد فترة توارى فيها عن العمل السياسي، عاد السبسي إلى الواجهة بتوليه رئاسة الحكومة المؤقتة إثر الإطاحة بحكم بن علي في ثورة شعبية العام 2011، ليقود البلاد إلى أول انتخابات ديمقراطية ونزيهة في نفس العام والتي أفرزت فوز الإسلاميين بالحكم. وأسس السبسي حزب حركة نداء تونس بعد ذلك بعام وكان الهدف التصدي لهيمنة الإسلاميين على المشهد السياسي والحكم، وقد نجح في إزاحتهم من السلطة بعد فوز حزبه بالانتخابات التشريعية التي جرت في العام 2014 وصعوده إلى الرئاسة بفوزه في الدور الثاني على حساب الرئيس السابق المنصف المرزوقي. ويحسب للسبسي أنه ساهم في تجنيب تونس الانزلاق إلى الفوضى بتفادي الصدام مع الإسلاميين، في ذروة الأزمة السياسية التي شهدتها البلاد في العام 2013 عقب اغتيال السياسيين شكري بلعيد ومحمد البراهمي، بأن انتهج سياسة التوافق مع زعيم حركة النهضة الإسلامية راشد الغنوشي. لكن الرئيس الراحل لقي انتقادات من داخل حزبه لتحالفه مع حركة النهضة في الحكم عقب انتخابات 2014 وكان ذلك أحد أسباب الخلافات التي عصفت بنداء تونس حيث شهد انشقاقات أدت إلى إضعافه وخسارته الأغلبية وانقسامه. وقبل وفاته بفترة قصيرة، رفض السبسي الإمضاء على تعديلات جديدة على القانون الانتخابي، كان برلمان تونس صادق عليها في 18يونيو الماضي باقتراح من الائتلاف الحكومي، وبرر مستشاروه هذا الموقف برفضه "إقصاء أطراف سياسية" مع اعتماد التعديلات الجديدة. وصدر للسبسي كتاب "الحبيب بورقيبة.. الأهم والمهم" في العام 2011 وكتاب "الحبيب بورقيبة.. البذرة الصالحة والزؤام" في العام 2009. السبسي يدلي بصوته في انتخابات 2014 (أ ف ب)