تعد لعبة «ببجي» -PUBG- إحدى أكثر الألعاب القتالية التي جذبت اهتمام كثير من مختلف الأعمار، وهذا الاهتمام البالغ تجاوز مسألة أن تكون تلك اللعبة مجرد وسيلة لتمضية الوقت، لتصل بكل من يلعبها إلى حد الإدمان والانغماس كلياً في تفاصيلها المشبعة بمشاهد العنف والقتال والحروب، الأمر الذي زاد من حدة شكوى وتذمر بعض الأسر لرؤيتهم حقيقة تأثر أبنائهم بتلك اللعبة، فضلاً عن إصراراهم على قضاء ساعات طوال في لعبها، ورغبتهم الشديدة في الانعزال عن محيطهم، في حين لا يبالي البعض الآخر من الأسر بحقيقة خطورة اللعبة على تفكير وسلوك أبنائهم، وكأنه غاب عنهم قصص الحوادث المؤسفة التي كان ضحاياها أطفال أبرياء نتيجة إدمانهم وتأثرهم بألعاب إلكترونية خطيرة مثل «الحوت الأزرق» و»فورنايت» و»لعبة مريم». ترفع درجة السلوك العدواني للأبناء وتشتت عقولهم وتصيبهم بالتوتر وقد تصنع منهم مجرمين دون أن نعلم خوض معركة وقال موسى صرخي اختصاصي أمن سيبراني بجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية: إن فكرة اللعبة تعتبر محاكاة للواقع الافتراضي للحروب في تضاريس منوعة، مضيفاً أن اللعبة ظهرت عام 2017م، ويمكن أن يلعبها فرد أو مجموعات، وتقوم اللعبة على إنزال الأشخاص من طائرة ويقومون بالهبوط المظلي في جزيرة معينة، ومن ثم يجمع المقاتلون الأسلحة للبدء في خوض المعركة التي تمتد نصف ساعة متواصلة، مبيناً أن عديدا من الدول قامت بحظر اللعبة، وعلى سبيل المثال لا الحصر الهند، بل فرضت عقوبات كالسجن والغرامة المالية لمن يلعبها، نظراً لما تسببه من آثار سلبية اجتماعياً وسلوكياً، مشيراً إلى أن هذه اللعبة تُعد أرضاً خصبة للسلوكيات الخاطئة والسلبية كنشر الفكر المتطرف، من خلال مواجهة عديد من المستخدمين كعناصر من «داعش»!، كما أنها مرتع خصب جداً للسب والشتم والقذف، مؤكداً أنها غير مرتبطة بفئة عمرية معينة؛ حيث ظهر - مع الأسف - استخدام عديد ممن هم دون السن القانوني، بل تتم من خلالها كثير من العلاقات والتعارف خارج إطار الطرق الشرعية، متأسفاً على أن مستخدميها تحت وطأة إدمانها، فكثير منهم أصبح غير مبال بعمله أو أسرته. مسؤولية الأسرة وأوضح د.صالح العقيل – أستاذ علم اجتماع الجريمة مهتم بالبحث العلمي في قضايا العنف – أن السبب الأول الذي يقف خلف قضية إدمان الألعاب القتالية على مختلف مسمياتها هو التفريط، والتفريط هنا يأتي من عدة جهات رقابية مشتركة، تتمثل في الأسرة ثم الجهات الحكومية المسؤولة عن السماح لتلك الألعاب القتالية؛ كونها تتنافى مع رسائل التوجيه والإرشاد التي يسعى من خلالها المجتمع إلى مناهضة العنف بكل أشكاله وصوره، متسائلاً: كيف نحارب العنف وفي الوقت ذاته نقبل بانتشار ألعاب قتالية تبث العنف والكراهية؟، مبيناً أن هناك غيابا للآلية التي نستطيع من خلالها مراقبة أو منع وحجب مثل تلك الألعاب، مُؤكداً مسؤولية الأسرة، وأنها - وبكل أسف شديد - مشتركة في وصول أبنائها إلى مرحلة التعلق والانغماس الكلي وإدمان تلك اللعبة؛ لأن غالب الأسر تحاول أن تخفف من ضغط متطلبات الأبناء من تنزه وترفيه، خاصةً خلال الإجازة بالسماح لهم بهذه الألعاب التي يقضون فيها أوقاتا طويلة دون أن يشعروا هم بذلك، مشيراً إلى أن غياب دور التوعية والإرشاد في المجتمع معطل تماماً، سواء على المستوى الرسمي أو غير الرسمي؛ حيث لم نشاهد تلفزيونياً رسائل تحذيرية عن بعض التطبيقات أو الألعاب الإلكترونية، حتى إن تم عرض برنامج حواري يناقش مخاطر هذه الألعاب، نجد أن الابن المراهق أو الطفل لا يتابعها، وبالتالي لا يقتنع بخطورتها، مُشدداً على أهمية تقديم هذه الإرشادات التوعوية في قالب يقبله الأبناء ويصل إليهم في برامجهم التي تخاطبهم، أو أفلام الكرتون، أو حتى في أماكن وجودهم في مدن الألعاب أو المتنزهات، أو أماكن وجود المراهقين والشباب، مطالباً بأن نجد وسائل مقنعة تخاطب تفكيرهم ونضمن أن تصل إليهم ليقتنعوا بخطورتها. رسائل توعوية وحمّل د.العقيل جزءا من مسؤولية إدمان تلك الألعاب لتقصير بعض المشاهير والمشهورات في أداء رسائل توعوية تصل إلى الأهل والأبناء، مضيفاً أن المشاهير لديهم قاعدة جماهيرية، ويحظون بمتابعة كبيرة إلاّ أن دورهم معطل؛ لأنهم لم يستغلوا جماهيريتهم في تقديم رسائل ومحتوى قيّم يهدف إلى تحذير وتوعية المجتمع من بعض السلوكيات والسلبيات، كذلك غياب دور المسجد، إذ لم نر خطيباً يتحدث ويتناول مثل هذه القضايا أو حتى المدارس، وهما حقيقةً مطالبان بتقديم رسائل توعوية نموذجية مقنعة، إلى جانب غياب دور الباحثين والمهتمين بهذه القضايا، وغياب الدراسات التي تعطي مؤشرات تنبه وتقنع المجتمع ليحذر من عواقب التمرد والتنمر والخروج عن المألوف، مطالباً الجميع بأداء رسالته ودوره تجاه المجتمع كامله، مؤكداً أن هذا الدور التكاملي يجب أن نقوم به جميعاً؛ لأن الحاصل الآن ومن خلال الألعاب الإلكترونية أننا نصنع أشخاصا عدوانيين، وأشخاصا ممكن أن يتمردوا على القيم وثقافة المجتمع من حيث لا نعلم، ثم نأتي ونقول: ما الحل؟، مشيراً إلى أن النتيجة اليوم هي أننا نرى جرائم تمارس في المجتمع بلا مبالاة، إذ شاهدنا عدة مقاطع لفيديوهات تضمنت سلوكيات مكتسبة وخطيرة للأطفال والمراهقين، والغريب أنها منظمة بصورة دقيقة، مستشهداً بأحد المقاطع التي انتشرت مؤخراً لعدد من المراهقين الذين سطوا على أحد المحال التجارية، وكيف قاموا بعمليات السرقة، ومن ثم نجحوا في الفرار، لافتاً إلى أن مواجهة ومعالجة تلك القضية تبدأ بتطبيق قاعدة «لا إفراط ولا تفريط»، إذ لا ندعو الأسر إلى حرمان أبنائهم من الألعاب الإلكترونية، لكن في الوقت نفسه يجب أن نراقبهم ونعلم ماذا يلعبون ومتى يلعبون. إدمان إلكتروني وتحدث د.ناصر العريفي - أستاذ علم النفس الجنائي – قائلاً: إن الألعاب القتالية غزت جميع الأجهزة الإلكترونية بدافع وجود الفراغ الكبير عند الأطفال والمراهقين، الذين أصبحوا أكثر تعلقاً وميلاً إلى تلك الأجهزة أكثر من أي نشاط آخر، مضيفاً أن بعض الألعاب الإلكترونية المستوردة لداخل المملكة أصبحت تؤثر نفسياً واجتماعياً في أبنائنا وبناتنا، مبيناً أن هذه الألعاب أُحكمت بطريقة إلكترونية، بحيث تستطيع أن تجذب عقول الشباب والأطفال وتؤثر فيهم تأثيراً عقلياً كبيراً، فمثلا لعبة «ببجي» أو لعبة «أمل الشعوب» صممت للشباب والأطفال لتسلب عقولهم، وتصل بهم إلى مرحلة الإدمان والتعلق بها، متأسفاً أن هذه الألعاب ترفع درجة السلوك العدواني عند الأطفال، وهذا السلوك العدواني ينجم عنه أحياناً بعض الحوادث أو حتى الجرائم التي يرتكبونها، ذاكراً أن تلك الألعاب تجعل الطفل في حالة توتر وقلق شديدين، أو كما نسميه الإدمان الإلكتروني، حتى إنه يؤثر في حالة التغذية لديه ويؤثر في أوقات النوم، مشيراً إلى أن خاصية بث الإنترنت أصبحت قادرة على أن تخترق جميع عقول البشر على المستوى الخارجي، وأصبح العالم مدمن إنترنت، كما أصبحنا نفتقد علاقتنا مع أطفالنا؛ لأن خاصية الإنترنت أقرب إليهم من آبائهم بعد أن تم غزو عقولهم داخل المنازل عن طريق تغيير أفكارهم بألعاب قوية، حيث أصبحت هذه الألعاب مشجعة على العنف والعدوان، ومصدرا آخر للأفكار غير الأخلاقية أو غير الاجتماعية، وبالتالي رفع درجة السلوك العدواني، وهذا ما نشاهده اليوم في المجتمع من انتشار جرائم القتل بين المراهقين والشباب؛ لأن شباب اليوم إذا أخطأ عليه شخص يباغته بهجوم عدواني قد يؤدي إلى الوفاة، ثم يبدأ مسلسل دفع الديات بالملايين لإسقاط حكم القصاص. وأضاف: تلك الألعاب تفقد أبناءنا التركيز، كونها تشتت العقل وتصيب من يلعبها بالقلق والتوتر، ثم التأثير في خلايا المخ، ما يجعلها غير قادرة على الحفظ والفهم للمعلومة، كما أنها تعطي جرعات عالية من التشنج النفسي، وهو ما يجعلهم بحالة توتر إلى أن تنتهي اللعبة، وإذا انتهت يرغبون في العودة إليها مرةً أخرى. نحتاج إلى تقديم رسائل توعوية تكشف خطورة ببجي على سلوكيات الأبناء د.صالح العقيل د.ناصر العريفي موسى صرخي