تبدو القصة الكاملة، لاتفاق منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، وأوبك +، الذي عقد في فيينا قبل أيام، مليئة بجهود سعودية جبارة، على أعلى المستويات، وهو ما أثمر عن اتفاق الدول كافة، على خفض إنتاج النفط لمدة تسعة أشهر إضافية، في خطوة، أدخلت الطمأنينة على الدول المصدرة والمستهلكة على حد سواء، ومن هنا لم يكن غريباً أن يكون الدور السعودي في هذا الاتفاق، محل تقدير واحترام بل وإعجاب من جميع دول العالم، التي كانت تتوجس من أسواق النفط ومستقبلها، بيد أنها تنفست الصعداء، فور الإعلان عن الاتفاق على خفض الإنتاج الدولي بمعدل 1.2 مليون برميل يومياً. بدأت القصة، مع قلق شديد، استشعرته دول العالم، التي كانت قلقة ومنزعجة لعدم وضوح الرؤية في أسواق النفط العالمية، والتي تشهد أعلى درجات التذبذب والاضطراب في ظل تأجج النزاع الأميركي - الصيني التجاري وتفاقم الظروف الجيوسياسية التي عصفت بنفط إيران وفنزويلا إلى أدنى المستويات، التي لم يشهدها تاريخ البلدين، وظروف النفط الليبي في ظل الحرب الأهلية، والهجمات الإرهابية التي تشنها إيران وعملاؤها على أعمال النفط في الخليج العربي، والتي استهدفت المملكة ومنشآتها النفطية في الداخل وناقلاتها وشحناتها البترولية في الخارج. وكانت دول العالم مجتمعة، تساورها بعض المخاوف والشكوك، حيال احتمالية عدم توصل أوبك والأعضاء خارجها لاتفاق تمديد اتفاقية أوبك+ باستمرار خفض 1,2 مليون برميل من واردات النفط الخام العالمية. ومن الصعب اختزال الجهود السعودية، في هذا الإطار، على ما شهدهما اليومان الأولان من شهر يوليو الحالي، والذي تم فيهما عقد اجتماع المؤتمر الوزاري ال 176 لمنظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك)، والاجتماع الوزاري السادس بين الدول الأعضاء في أوبك والدول المنتجة من خارجها (أوبك+)، والاجتماع ال 15 للجنة المراقبة الوزارية المشتركة بين الدول المنتجة في أوبك+ والتي ترأسها المملكة، وذلك في العاصمة النمساوية فيينا. فقبل هذه الاجتماعات، بذلت المملكة على أعلى المستويات، جهوداً في السر والعلن، أثمرت عن تحقيق الأهداف الرئيسة، التي شهدتها الاجتماعات. الرياض تعزز ثقة العالم في قدراتها على سد أي نقص في إمدادات النفط ثمار الاتفاق تقول تفاصيل القصة، إنه قبل اجتماعات فيينا، حددت المملكة العربية السعودية، جميع أهدافها من تلك الاجتماعات، التي هي ذاتها أهداف دول العالم، الراغبة في أسواق نفط مستقرة وآمنة.. وأكدت المملكة أنها لن تدخر وسعاً في تحقيق تلك الأهداف مجتمعة، وقد كان لها ما أرادت، عندما نجحت في الوصول إلى إجماع بين جميع الدول المشاركة في (أوبك+) على تبني مسودة ميثاق التعاون بين الدول المنتجة للنفط، بالصيغة التي اقترحتها المملكة، والتي تقضي بأن يوقع على الميثاق كل عضو من أعضاء منظمة أوبك، ومن الدول المشاركة من خارجها، وكانت (بعض الدول) مثل إيران قد أبدت على مدى الأشهر الماضية، اعتراضها الشديد على مسودة الميثاق بصيغته الحالية، التي تحرمهما من حق النقض، ولكن في نهاية المطاف، استطاعت المملكة الوصول إلى إجماعٍ بعد مفاوضات طويلة وشاقة. وقد جرى توقيع مسودة ميثاق التعاون، بصيغته الحالية، التي اقترحتها المملكة، من قِبل وزراء الدول الأربع والعشرين. يضاف إلى ذلك، أن المملكة، نجحت في إقناع الدول المشاركة في الاجتماعات بتمديد اتفاقية أوبك+ لخفض الإنتاج لمدة تسعة أشهر، بنفس كمية التخفيض المتفق عليها سابقاً (1.2 مليون برميل يومياً)، وهو ما أصبح قراراً شبه مسلم به، بعد أن توصلت المملكة وروسيا إلى توافق حوله على مستوى القادة. ولي العهد يتوج الجهود وتوج سمو ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، جهود المملكة، لتعزيز استقرار أسواق النفط، باجتماع سموه والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في لقاء ثنائي على هامش قمة العشرين، في أوساكا اليابانية، واتفق الجانبان على تمديد الاتفاق الحالي لخفض الإنتاج لدول أوبك+، بدءًا من يوليو 2019، وهو ما يمهد الطريق إلى خفض المخزونات العالمية، وبالتالي توازن الأسواق، وتعافي معدلات الاستثمار لضمان إمدادات الطاقة المستقبلية. ويؤكد هذا الاتفاق، أن الشراكة السعودية - الروسية جاءت في صالح المنتجين والمستهلكين للنفط، واستدامة نمو الاقتصاد العالمي. وقال بوتين تعليقاً على هذا الاجتماع: "تمديد تخفيضات الإنتاج التي تنتهي صلاحيتها في نهاية يونيو، قد تستغرق ستة أو تسعة أشهر بدعم سعودي كامل"، مضيفاً "لقد وافقنا: سنواصل اتفاقاتنا". وسبق قمة ولي العهد وبوتين، اجتماع وزير النفط المهندس خالد الفالح، مع نظيره الروسي في أوساكا، تمهيداً لاجتماع القادة، وتناول الطرفان في الاجتماع ضرورة تمديد الاتفاقية، والخيارات المتاحة لذلك، وضرورة تعزيز الالتزام بين جميع الدول المشاركة، لا سيما كبار المنتجين، لتحقيق التوازن في سوق النفط، وتجنب انهيار الأسعار، الذي لن يكون في مصلحة الدول المنتجة، كما أنه لن يكون في مصلحة المستهلكين في كل مكان،. وقد اتفق الوزيران على ضرورة التمديد، وأهمية التشديد على الدول للوصول إلى الالتزام الكامل، مع الضغط على الدول ذات الالتزام المتدني، لرفع التزامها بشكل تام وفوري. إذا كان لقاء ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مع بوتين، هدفه الإقناع بتمديد اتفاق النفط، فكان لقاء سموه مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، هدفه الاطمئنان. عقد اللقاء على هامش اجتماع قمة العشرين في اليابان، وخلال الاجتماع شعر الرئيس الأميركي بروح التفاؤل والاطمئنان والارتياح والثقة التي بثها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي تعهد للعالم أمام ترمب بانتظار الدور الريادي القيادي السعودي لاحتضان أزمات السوق وتصدعاته المتكررة التي عملت المملكة على رأبها منذ امتهانها تجارة النفط الخام العالمية. موقف مشرف ويمكن التأكيد على أن المملكة نجحت بتوجيه السوق لأسعار معتدلة، من خلال ضبط موازنة العرض والطلب، بما يمنح الاستقرار للأسواق رغم تعدد المشكلات الجيوسياسية والأزمات التجارية بين أكبر الدول، والتي ألقت بظلالها المعتم على السوق، في حين نفذت المملكة ما تعهدت به تطوعاً منها باستمرار سياستها الحكيمة في مواصلة خفض إنتاجها للنفط الخام، بأكثر من الحصص المحددة لها، وفق اتفاق أوبك+ عند سقف 10.31 ملايين برميل، حيث ذهبت إلى ما دون ذلك بأكثر من 600 ألف برميل، ليصل إلى 9,70 ملايين برميل في اليوم، محققة أعلى نسبة امتثال بلغت 117 % من بين الدول ال 11 الأعضاء في أوبك. وتلك الوقفة القوية من المملكة، مهدت بعمق للتوصل لتمديد الاتفاق السعودي الروسي باستمرار خفض الإمدادات بطاقة 1.2 مليون برميل يوميًا، والتي كانت قد دخلت حيز التنفيذ في يناير، وتنتهي في يونيو، لتواصل المملكة قيادتها لسوق النفط العالمي نحو منعطف أكثر أمناً واطمئناناً واستقراراً وتفاؤلاً وطموحاً لغد أكثر إشراقاً وازدهاراً لدول العالم، التي يحكمها سوق النفط ودهاليزه إما سلباً أو إيجاباً. عقود مضت اجتماعات فيينا، تؤكد رسالة مهمة، مفادها أنه منذ عقود مضت، ودول العالم اعتادت أن توجه بوصلة مستقبلها في الطاقة صوب المملكة العربية السعودية، وقادتها ومسؤوليها، عندما يتعلق الأمر بأسواق النفط وأسعاره ومستقبله، لتتلقف أي شاردة أو واردة، تطمئنهم بأن الأسواق "مستقرة"، وأن إمدادات الطاقة "آمنة"، لا خوف عليها من أي تأثيرات اقتصادية أو سياسية أو غيرها، ويتوافق هذا مع مبادئ المملكة، التي تسير عليها منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز رحمه الله وحتى العهد الزاهر لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله ، بأن تعمل المملكة جاهدة، على تأمين الطاقة لدول العالم، بأسعار عادلة للمنتجين والمستهلكين، راغبة في ذلك، تعزيز الاستقرار لشعوب الأرض قاطبة. م. خالد الفالح ترجم نجاح المملكة في إقناع المنتجين وطمأنة المستهلكين من خلال اتفاق فيينا