المملكة دولة مثلها مثل غيرها، تعيش تحولات داخلية وتتأثر بالمتغيرات الدولية، إلا أن الفرادة تكمن في قدرة القيادة السياسية على التعامل مع ما يحدث حولها بالهدوء والتأني، ناقدة لذاتها، متفاعلة وموازنة ما بين مصالحها وإرثها التاريخي.. طمأن ولي العهد شعبه أن بلادهم تسير وفق ما خطط لها من استراتيجيات وخطط رغم الضجيج والتهويل والأصوات الشاذة التي تخرج من هنا وهناك إلا أن الوضع ثابت في مساره والرؤية دخلت مرحلة التنفيذ والأرقام تؤكد والأفعال تترجم على الأرض. لم يعد هناك مساحة للشعارات والتمنيات والاحتمالات، حديث ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لصحيفة سعودية (الشرق الأوسط) جاء ليمثل محطة لافتة تستوجب منا التوقف عنده لما احتواه من مضامين ورؤى وطروحات مهمة تعكس رؤية القيادة في الشأن الداخلي ناهيك عن مغزاها والهدف منها، على أن المقام هنا ليس بصدد الإطراء، بقدر ما هو قراءة هادئة وعميقة وتقويم موضوعي لما تضمنته الكلمة من آراء وعناصر جديرة بالتحليل والتفكيك. ورغم أن الأمير مُقل في أحاديثه الإعلامية، إلا أنه عندما يتحدث فإنه يضع النقاط على الحروف، كانت محاور الأسئلة متعددة منها السياسي والاقتصادي فضلاً عن الشأن السعودي الداخلي، وأجاب عليها الأمير بكل صراحة وشفافية، مرتهناً إلى حيز المسؤولية في الاعتراف بالتحديات والقضايا التي تواجهها بلاده، وأبدى قدرة لافتة في استيعابه لمجمل الأحداث والقضايا المثارة، فكان واقعياً ومقنعاً في إجاباته. ما يهمني هنا هو التركيز على الجانب الاجتماعي الداخلي ومساره الإصلاحي، نعلم أن المملكة دولة مثلها مثل غيرها، تعيش تحولات داخلية، وتتأثر بالمتغيرات الدولية، إلا أن الفرادة تكمن في قدرة القيادة السياسية على التعامل مع ما يحدث حولها بالهدوء والتأني، ناقدة لذاتها، متفاعلة وموازنة ما بين مصالحها وإرثها التاريخي. يقول الأمير: إن أولويتنا هي مصالحنا الوطنية، وتحقيق تطلعات شعبنا من خلال أهداف «رؤية المملكة 2030» الاقتصادية والاجتماعية، والتنمية والإصلاح الاقتصادي والاجتماعي. وهذا يتطلب بيئة مستقرة ومحفزة داخل المملكة وفي المنطقة. أوجز الأمير في عبارة منظومة الإنجاز والجهد المضني الذي تعيشه المملكة رغم صعوبة القرارات وضخامة التحدي، ونفى وجود ممانعة لمشروعه الكبير مفتخراً بأبناء بلده يقول: «المواطن السعودي أصبح يقود التغيير، بينما تخوف الكثيرون من أن الرؤية ستواجه مقاومة بسبب حجم التغيير الذي تحتويه». اللافت والمثير للدهشة هو التجاوب الاجتماعي غير المسبوق والانسيابية والقابلية الاجتماعية مع البرامج والفعاليات والتحول الاجتماعي أو لنقل العودة إلى ما كان عليه المجتمع السعودي في السبعينات من فطرة نقية وتصالح مجتمعي حيث السلم الاجتماعي والتسامح والتعايش والأيام الجميلة، أشار أيضاً إلى معادلة مهمة في نوعية القيادات بالمزج ما بين خبرة الكبار وحماسة الشباب يقول: «أود الإشادة بدور الشباب مطعماً بالخبرات في الحراك الذي تعيشه المملكة، إنها رؤية شابة، روحها شابة، كما تحول النقاش من التغيير الذي نريده من الدولة إلى التغيير الذي نصنعه جميعاً». وكرر ولي العهد وعوده بمواجهة العدو وذلك بالمضي «من دون تردد في التصدي بشكل حازم لكل أشكال التطرف والطائفية والسياسات الداعمة لهما»، مشدداً على أن السعودية «لن تضيع الوقت في معالجات جزئية للتطرف، فالتاريخ يثبت عدم جدوى ذلك». المتابع يرى أننا ننظر إلى الأمام لأن الطموح لا سقف له. ما يجري هو التحديث من خلال فرض منطق الدولة التي ترى شيئاً قد لا نراه، تحول له مسار ويمر بين أشواك ومصاعب وممانعة وهو أمر متصور ولكن هنا تكمن قدرة الزعماء الكبار. الغالبية مع توجه الدولة ولا ننفي وجود فئة صغيرة تنزع لنمط نستالوجي ماضوي تقليدي وهو أمر متصور ولكنه لن يستمر لأن التيار العقلاني سيحتويهم. منطق الدولة يحسم المسألة شئنا أم أبينا لأن الأمر متعلق بمصلحة شعوب ومستقبل أجيال، هذه الشريحة من الفكر والسلوك لها أساليب قد تكون استفزازية واندفاعية وخارج نطاق المنطق ما يجعلها تتنافى مع النسق المجتمعي العام وتصطدم مع فطرته، ومع ذلك ليس لها في النهاية إلا أن تندمج مع توجه الغالبية أو تنفصل وتنعزل وتنتهي مع نفسها. التطوير والإصلاح حاجة ملحة تقتضيها متطلبات العصر من أجل المرور إلى موقع أفضل ضمن السياق الإنساني والاجتماعي وهو ما نعيشه بدليل ملامح التغيير الواضحة التي تتشكل في السعودية الجديدة اليوم من خلال قرارات تاريخية لمن يستوعب مضامينها وأبعادها.