دخول الاستثمار الأجنبي للسوق المالية السعودية له آثار إيجابية كثيرة ليست محصورة فقط في دخول السيولة الأجنبية بل تتعداها إلى نقل الخبرة والمعرفة من أسواق مالية لها باع طويل وخبرات متراكمة والتي سوف تساهم في تغيير السلوك الاستثماري لدى المتعاملين في السوق المالية ولعل أبرز المشاهدات التي رُصدت خلال تدفق الاستثمارات الأجنبية خلال الفترة الماضية وخصوصاً بعد الإدراج الفعلي في مؤشر مورجان ستانلي للأسواق الناشئة وهو أبرز المؤشرات العالمية والذي يتبع له صناديق استثمارية برؤوس أموال كبيرة، لوحظ أن هنالك تحولا كبيرا في حجم التداول عن طريق شركات الوساطة الأجنبية فبعد أن كانت حصتها من قيمة التداولات خلال شهر يناير 2019 لا تتجاوز 13 % إلا أن هذا الرقم ارتفع خلال شهر مايو إلى 44 % بالتزامن مع الإدراج الفعلي في مؤشر مورجان ستانلي وبلغت قيمة التداولات في جولدمان ساكس فقط أكثر من 40 مليار ريال بينما انخفضت قيمة التداولات لدى الراجحي المالية إلى 17 مليار ريال قد تكون أغلب التداولات التي نفذتها جولدمان ساكس جاءت عن طريق الاستثمار الأجنبي ولكن هذا جاء نتيجة جهد تسويقي خلال الفترة الماضية أثمر عن هذه النتائج المفاجئة وهذا يعطي إنذار قويا لشركات الوساطة المحلية بأن عليها تغيير نمط عملها لتتمكن من استقطاب الاستثمارات الأجنبية، وهذا يتطلب بالتأكيد الاستفادة من الخبرات الأجنبية في طريقة عملها وإعداد تقارير السوق وتقديم التوصيات لعملائها وفق عمل ممنهج قائم على المعرفة والمعلومة الصحيحة والتحليل المنطقي، وهذا بلا شك ينقص الكثير من شركات الوساطة المحلية لأن هنالك ضعفا واضحا في عملية التواصل بين شركات الوساطة وعملائها فالعلاقة بينهما لا تتعدى توفير خدمة التداول عن طريق القنوات الإلكترونية أو من خلال الصالات المحدودة والتي لا تتوفر بها إلا شاشات التداول وخدمات الضيافة وأيضاً عملية تخفيض عمولات التداول للمحافظ الكبيرة ومنح التمويل غير ذلك لم أر أي تواصل حقيقي في تقديم المشورة والدعم بالتقارير المفصلة التي تعطي المتداول صورة واضحة تساعده على اتخاذ القرار الاستثماري الذي يحقق له نمو محفظته على المدى القصير والطويل، حتى إن توقعات الأرباح للشركات المدرجة في السوق والتي تغطيها شركات الوساطة نجد أن هنالك تباينا كبيرا بين توقعات المحللين والنتائج الفعلية وقد يصل الانحراف فيها إلى أكثر من 70 % وهذا خلل واضح بلا شك لدى شركات الوساطة قد نجد عذراً في ذلك عندما تكون الشركة قد تعرضت إلى حدث استثنائي ساهم في تغيير النتائج، أما أن تكون الأمور طبيعية ويكون السبب في انحراف التوقعات بشكل كبير يعود إلى نقص في قدرات المحللين أو عدم قراءة السوق والتنبؤ الصحيح، فهذا يحتاج في الحقيقة إلى مراجعة وتعديل من إدارات شركات الوساطة، لأن الظروف تغيرت والمنافسة اشتدت مع دخول المستثمرين الأجانب فالشركات المالية التي كانت تعول على ولاء عملائها من خلال خفض العمولات أو تقديم الحلول المالية والتمويلية لهم لن تجدي في كسب الولاء الآن وسوف يتسربون إلى شركات الوساطة الأجنبية التي سوف تقدم لهم الخدمات الاستشارية عالية المستوى وانتقاء الأسهم وفق معايير الحوكمة والشفافية والقدرة على النمو المستقبلي وقد لوحظ شيء من ذلك خلال دخول الاستثمار الأجنبي في الفترة الماضية وكيفية انتقاء الشركات، لذا لابد على شركات الوساطة المحلية أن تتخذ قرارات تصحيحية سريعة وأن ترتقي بأسلوب عملها لكي تستطيع المحافظة على مراكزها وحصتها السوقية وخصوصاً مع تدفق الاستثمارات الأجنبية خلال الفترة القادمة. إن نجاح هيئة السوق المالية في إصلاح البيئة الاستثمارية للسوق المالية من خلال تغيير شامل للأنظمة ورفع مستوى الشفافية وتحديث نظام حوكمة الشركات يحتم عليها مواصلة الإصلاح في متابعة خدمات شركات الوساطة المحلية والارتقاء بها وفق معايير محددة لأن شركات الوساطة هي الذراع الأهم لهيئة السوق المالية وان أي خلل فيها سوف ينعكس سلباً على أداء السوق المالية، أثق كثيراً بأن السوق المالية السعودية سوف ترتقي إلى مصاف الأسواق المتقدمة في ظل رؤية 2030 والتي تدعم تطوير السوق وفق برامج وأهداف سوف تتحقق بحول الله ثم بإرادة قيادة انتهجت مساراً للإصلاح لا تحيد عنه إلا بتحقيق جميع الأهداف والبرامج.