إن كثيرًا من الفعاليات والبرامج التي تقوم بها «هيئة الترفيه» لعله يقصد منها خلق جيل مواكبٍ ومحسِن لاستخدام أدوات الحياة العصرية، إذ لا يعقل أن نملك كل هذه الآليات والإمكانات التي أنتجها العقل البشري نعمةً من الله ثم لا نستغل وجود هذه النعمة في تقوية اقتصاد، ولا في بناء فكر، ولا في رعاية إبداع يمثل نضوج وطموح الشاب السعودي.. لم تسمع أذن ولم يطمئن قلب بشيء كسماع القرآن والإنصات له، فهو الحديث الذي لا يقوى الباطل على الوقوف أمامه، بل يدمغه فإذا هو زاهق. وصفه منزله سبحانه فقال: (الله نزّل أحسن الحديث). والحُسن هنا يبقى على عمومه وإطلاقه، فهو الأحسن لتقويم الأخلاق، وهو الأحسن لإقامة العقائد، وهو الأحسن لتقنين الأحكام، كما أنه الأحسن لتهذيب النفوس، والأحسن لإذهاب الهم والغم وضيق الصدر، يشرح الصدور ويطمئنها (ألا بذكر الله تطمئن القلوب)، وفي الحديث: «ما قال عبد قط إذا أصابه هم وحزن: اللهم إني عبدك، وابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض فيّ حكمك، عدل فيّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي، إلا أذهب الله عز وجل همه، وأبدله مكان حزنه فرحاً». وما أجملها وأبلغها من استعارة ينتقي الداعي بها أجمل فصول السنة، الفصل الذي يعبر به عن السرور والفرح والازدهار والجمال وهو الربيع، وهو نور الصدر، وجلاء الأحزان وذهاب الهموم. هذا هو «الترفيه» بمعناه العرفي واللغوي، ففي اللسان «.. ورَفَّهَ عن الرجل تَرْفيهاً: رَفَقَ به. ورَفَّهَ عنه: كان في ضِيقٍ فنَفَّسَ عنه.» فليس هناك أحسن ولا أبلغ ولا أجمل من القرآن في الترويح عن النفس والترفيه عنها! ولا غرابة أن تجعل «هيئة الترفيه» في بلادنا المحروسة مسابقة في القرآن، لتختار منها أجمل صوت، وأحسن تالٍ، وأتقن مؤدٍ، وترصد لذلك جائزة ربما كانت هي الكبرى في العالم، والقرآن وحملته وحفظته ومن يتلوه جديرون بهذا، ولعل هذا أفضل ما تنفق فيه الأموال، وترصد له الجوائز، والمحفزات. فالاحتفاء بحفظة القرآن وتنشيط اهتمامهم به، وشغل أوقاتهم بتلاوته من خير ما تقدمه «هيئة الترفيه». وهو أحسن ما تتبناه ضمن مهامها وأعمالها ونشاطها. إن كثيرًا من الفعاليات والبرامج التي تقوم بها الهيئة لعله يقصد منها خلق جيل مواكبٍ ومحسِن لاستخدام أدوات الحياة العصرية، إذ لا يعقل أن نملك كل هذه الآليات والإمكانات التي أنتجها العقل البشري نعمةً من الله ثم لا نستغل وجود هذه النعمة في تقوية اقتصاد، ولا في بناء فكر، ولا في رعاية إبداع يمثل نضوج وطموح الشاب السعودي! بيد أن الترفيه بأحسن الحديث يأتي فوق هذه مجملة ومنفردة، وتكريم حافظه وتاليه من خلال إمكانات الهيئة يأتي مصحوبًا بإرادة ثواب الآخرة، وإظهار الخيرية الملازمة لشخصية المسلم مهما أثير حوله من جدل! أو بالأصح مهما كان منشغلًا بما لا علاقة له بحياة العباد والزهاد. وقد كان مألوفًا قديمًا وحديثًا أن ينشغل كثير من الناس بكماليات المعيشة ورفاهيتها، وكان السلف يقوّمون ويصححون ولا يقفون موقف المعادي لدنيا الناس، فهي من أهم محبوبهم، وهذا شيء لا يعاب به أحد، بل هو من لوازم أن تكون إنسانًا، وفي الفوائد لابن القيم رحمه الله «الْعَارِف يَدْعُو النَّاس إِلَى الله من دنياهم فتسهل عَلَيْهِم الْإِجَابَة والزاهد يَدعُوهُم إِلَى الله بترك الدُّنْيَا فتشق عَلَيْهِم الْإِجَابَة». غير أن بعض من انتصب للوعظ واجتهد لأن يوصف بالمتدين يشق عليه أن يرى غير من هو على شاكلته يساهم في عمل هو يرى أنه من خصائصه، بينما نشر دين الله ولا سيما القرآن الكريم هو حق لكل مسلم، وأحق لمن له سلطة وجاه وولاية على المسلمين، فمجال فعل الخير والمساهمة في نشر تعاليم الدين لا يقتصران على فرد ولا على طائفة، ولا يمنع منهما مسلم ولو افترضناه مخالفًا في كثير من الأمور، بل يجب على المشايخ وطلبة العلم والوعاظ والدعاة إلى الخير أن يشجعوا من يرونه يقدم على ذلك رحمة بالآخرين، وحبًّا لأن ينالوا أجر أفعالهم يوم الدين، ورجاء أن يذهب الله بحسناتهم سيئاتهم فهو القائل: (إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين). هذا، والله من وراء القصد.