الناس جميعاً يبحثون عن السعادة، ويجدون في طلبها، ويكدحون في تحصيلها، ولكن ليس كل من يطلب السعادة يجدها؛ لأن فهم كل واحد منهم لها يختلف، ومشاربهم في سبل تحصيلها تتباين، فالبعض يظن أن السعادة في كثرة المال فيسعى إلى تحصيله بكل السبل وشتى الوسائل والطرق، ولا يدري أن هذه السعادة وهمية غير حقيقية، بل قد يكون المال سبباً لشقاوته وعذابه، كما قال تعالى: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)، وقد أشار القرآن الكريم إلى شقاء أصحاب الأموال الذين لا يتقون الله تعالى في جمعها وإنفاقها، ومعرفة حق الله عز وجل فيها، فقال تعالى: (فَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلاَ أَوْلاَدُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ). يذكر أن زوجاً قال لزوجته بغضب: لأشقينَّك. فقالت الزوجة في هدوء وإيمان وعزة: لا تستطيع أن تشقيني كما لا تستطيع أن تسعدني. فقال الزوج في حنق: وكيف لا أستطيع؟ فقالت الزوجة في ثقة: لو كانت السعادة في راتب لقطعته عني أو زينة من الحلي لحرمتني منها، ولكنها في شيء لا تملكه أنت ولا الناس أجمعون! فقال الزوج في دهشة: وما هو؟ فقالت الزوجة إني أجد سعادتي في إيماني، وإيماني في قلبي. ويحكى أن أحد الأثرياء كان لديه خادم يحرس القصر فكان هذا الثري في قصره الكبير لا يحس بطعم الراحة فهو مريض يتناول الأدوية قبل الأكل وفي وسطه وفي آخره، بل يظل طوال الليل يتقلب من الألم ولا يستطيع النوم، وذاك الخادم الفقير يسكن بجوار باب القصر في غرفة صغيرة هو وزوجته وأولاده، فيظلون إلى منتصف الليل يضحكون ويصفقون ويغنون، فقال الثري في نفسه هؤلاء لا يملكون إلا قوت يومهم ويعيشون في هذه السعادة فما بالهم لو كان معهم بعض المال، فذهب إليهم ذات يوم وقال لهذا الحارس سأعطيك كل يوم خمسين جنيهاً تشترى بها بيضاً وتجلس تبيعه أما القصر ونتقاسم المكسب، وفي الليلة الأولى سمعهم يضحكون ويغنون ولكن إلى ما بعد العشاء بساعة وليس إلى منتصف الليل، وفي الليلة الثانية سكتت أصواتهم بعد العشاء مباشرة، وفي الليلة الثالثة سمع أصوات الشجار والصراخ، ثم دخل عليه ذلك الحارس المسكين ومعه ما تبقى من البيض وما كسب من مال، وقال له يا سيدي هذا بيضك ومالك، ودعنا نعود إلى حالنا السابق من الضحك والغناء، فلقد أفسد علينا المال سعادتنا.