لا تخلو المجتمعات من المشكلات، خاصةً الزوجية، في حين يوجد على الساحة وبقوة ومنذ زمن طويل استشاريون أسريون يلجأ إليهم الكثير لعرض مشكلاتهم، وفي الوقت نفسه للاستماع للنصائح والإرشادات لحل تلك المشكلات، أيضاً يلجأ إليهم البعض بهدف تفريغ الهموم الداخلية التي من الممكن أن تؤثر على نفسية الفرد سلباً. أحياناً نحتاج إلى استشارة شخص ذي معرفة بمشكلات الأسرة والمجتمع لإيجاد الحلول وتنمية جودة الحياة بتوازن وقال أحمد السعد - اختصاصي اجتماعي -: انتشر مؤخراً العديد من المسميات التي تخص المستشارين الأسريين ولا يمكن تحديد الجهة المسؤولة عن منح هذا المسمى، حيث إن كل جهة لديها معاييرها واشتراطاتها الخاصة، الأمر الذي فتح مجالاً للتلاعب وعدم السيطرة على هذا المسمى المهني، الذي يجب أن يكون ذا خلفية اجتماعية تختص بقضايا المجتمع وقضايا اللبنة الأولى في بناء المجتمع وهي الأسرة، وبالتالي تكون الاستفادة من هؤلاء المستشارين بطريقة مثالية نظراً للإعداد العلمي والعملي الذي حظوا به خلال فترة تعليمهم وتدريبهم وتأهيلهم - أعطِ الخباز خبزه حتى لو أكل نصفه -، مضيفاً: "من الجيد أن يكون هناك مستشار أسري متخصص في قضايا المجتمع وتطرح عليه المشكلات الأسرية لحلها، حيث إن التدخل العلاجي من قبل المستشار سوف يكون مهنياً ومبنياً على أسس ومبادئ علمية ومهنية بعد إجراء دراسة حالة المشكلة، وتحديد جوانب الضعف والقوة فيها، وكذلك نطاقها لتحديد أداة التدخل والعلاج، وهذا يعني أن جزءاً كبيراً من المشكلات الأسرية يمكن حلها لدى المستشار الأسري". وأوضح أن هناك مقولة حسنة: "ما خاب من استخار وما ندم من استشار"، لافتاً إلى أننا جميعاً نحتاج أن يكون هناك شخص ذو حكمة وذو معرفة وإلمام بالقضايا الأسرية والاجتماعية التي تحصل في محيط الأسرة، وذلك لكي نستطيع التعامل مع هذه المشكلات دون إفراط، حيث إن النظرة الخارجية بعد دراسة شاملة للمشكلة غالباً ما تكون مفيدة وذات قيمة كونها بعيدة تماماً عن المجاملات أو المحاباة لشخص معين، ذاكراً أنه يجب على طالب الخدمة أو الاستشارة التأكد والتحقق من إمكانية المستشار الأسري ومرجعه النظامي وأهليته في تقديم الاستشارات حتى لا يكون عرضة للاستغلال المادي أو غيره. حضارة واستنارة وتحدث فؤاد بن عبدالله الحمد - مستشار تربوي - قائلاً: مصطلح المشكلات في اللغة الصينية يقابلها مصطلح الفرصة؛ حيث يعتقد الصينيون أن المشكلات هي في العمق فرصة لاكتشاف أمور مخفية عن الإنسان، ومع الأسف الشديد لم يصل وعينا لفهم أهمية الاستشارة في فهم المشكلات الأسرية والتربوية والزوجية في تنمية جودة الحياة الأسرية بتوازن واستمرارية، وبالطبع يتحكم في ذلك نظرة المجتمع أو خجل أحد أفراد الأسرة من إفشاء نقاط ضعفه، لكن الأهم أن كثيراً لا يعلم أن المستشار ليس طبيباً نفسياً، إنما يرتفع إلى مكانة الصديق المؤهل في تقديم المساعدة، فهو لا يقدم لك عقاقير، بل يترك لك المساحة الكافية لتحرر نفسك من الخوف من التعبير عن مشكلاتك مع الطرف الآخر، مضيفاً أنه يسعى لأن يسير بك نحو ما يمكن أن يعيد السكينة لجدران منزلك دون أن يقلل من أهمية جهد كل طرف في إنجاح العلاقة الزوجية، مؤكداً على أن المستشار هو الطرف المحايد الذي يمكنك من فتح قنوات عميقة بينك وبين ما يسبب لك هذا الإحباط لدرجة تجعلك - لو كنت زوجاً مثلاً - تفكر في الطلاق أو إيذاء الطرف الآخر، ذاكراً أن الاستشارة حضارة واستنارة وما خاب من استشار. وأوضحت رعيفة السعيدي - مستشارة - أن المشكلات الأسرية حلها موجود لدى أصحاب المشكلات أنفسهم، ولكن يأتي دور المستشار الأسري ليصحح بعض المفاهيم ويحدد الخطوط العريضة للمشكلة، بل ويشخص مكمن الخلل ويضع يده على الأسباب التي قد تكون أسهمت في تفاقمها، كما يساعد أصحابها على تحليل المشكلة ووضعها في إطارها وحجمها الصحيح من دون تهميش أو تهويل لها، كذلك يحفزهم على التفكير والبحث عن الحلول الممكنة، والموازنة بين إيجابيات وسلبيات تلك الحلول، ومن ثم اتخاذ القرار الذي يرونه مناسبًا بعد الاستشارة والاستخارة والاتكال على الله أولًا وآخرًا، وطلب العون منه سبحانه وتعالى. مطلب اجتماعي وأكد عبدالله بن حاسر الدوسري - مستشار أسري - على أن المستشار الأُسَري نعمة عظيمة منّ الله بها على المجتمع، فهو مفتاح الحلول للمشكلات والخلافات الأسرية لما له من الخبرة العلمية والعملية التي مكنته بتوفيق الله تعالى من إيجاد الحلول وذلك بما يقدمه من دورات تدريبية وورش عمل للمقبلين على الزواج، أو استشارات أسرية لما يُعرض عليه من المشكلات والخلافات الزوجية، أسهمت بنسبة كبيرة جداً في حلها وأبقت الأسرة متماسكة في جوها الأُسَري، لذلك فهو مفتاح حلول المشكلات الأسرية. وقال د. السعيد دردرة - مشرف وحدة التوجيه والإرشاد بجامعة أم القرى بالقنفذة -: المستشار الأسري يستطيع أن يقوم بدور فاعل في حل المشكلات الأسرية، وهو أحد الاختصاصيين الذين يقدمون للأسرة ممارسات وضوابط، وتدريبات سلوكية تمكن الأطفال والكبار داخل الأسرة من حل مشكلاتهم، لا سيما وأنه يمثل دور المرشد أو "المينتور" الذي يُستشار برأيه، وبحكمته، ويؤخذ بتوجيهاته، وتوصياته، خاصةً وقت الأزمات أو المواقف الانفعالية داخل الأسرة، مضيفاً أن ثمة حقائق عن المستشار الأسري لابد الإشارة إليها، وهي أنه نهل من المعارف النفسية، والشرعية، والتربوية والأخلاقية التي تؤهله لممارسة هذه المهنة السامية بكفاءة واقتدار، ووفقاً للمفهوم الحديث للإرشاد الأسري، فإن المشكلة الموجودة عند أحد أفراد الأسرة إنما هي في الواقع مظهر من مظاهر مشكلة أكثر تعقيدًا، ومن ثم فإذا لم تلجأ الأسرة سريعًا إلى مستشارها الأسري الذي يقدم لها الفهم العلمي لطبيعة المشكلة ويرسم لها سبل المواجهة، وإلاّ ستتفاقم تعقيدًا، بل وتتوالد منها مشكلات أكبر يصعب حلها لاحقًا، وليس ثمة شك أن الأعوام القادمة ستشهد احتياجاً ملحاً للمستشار الأسري، وسيكون وجوده مطلبًا اجتماعيًا مثله كمثل طبيب الأسرة، خاصةً في ظل الطفرات الهائلة في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وما ستعكسه من آثار على الأطفال والكبار في الأسرة والمجتمع. تقديم المشورة وتحدث د. أيمن محمود عبدالعال قائلاً: المشكلات الأسريَّة تعني وجود نوع من العلاقات المضطربة بين أفراد الأسرة والتي بدورها تؤدي إلى حدوث التوتُّرات، سواء أكانت هذه المشكلات ناتجة عن سوء سلوك أحد أفراد الأسرة أو الطرفين الرئيسين فيها، وهنا يقوم المستشار الأسري بدور كبير في الإصلاح، وفي الحفاظ على الكيان الأسري وإدراكه قبل بلوغ مرحلة التفكك والانهيار، قال الله تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا)، مضيفاً أنه يقوم المستشار الأسري بدور مهم في المجتمع يتحدد في تقديم المشورة واقتراح البرامج الإرشادية والعلاجية بشكل يتناسب مع المشكلة الأسرية، ويفترض أن تقدم هذه الاستشارات من خلال مراكز متخصصة ومعتمدة، حتى نضمن وجود شخص يمتلك زرع الثقة والدعم النفسي وتحليل الأمور بطرق سليمة ومساعدة طالب الاستشارة في إنارة ذهنه وإيضاح الحقائق له، مُشدداً على ضرورة أن يخضع من يعمل في الاستشارات الأسرية إلى فحص مؤهلاته وخبراته احتياطاً لعدم تجاوزه الخطوط الحمراء التي لا تخدم طالب الاستشارة، مشيراً إلى أن المشكلات الأسرية يمكن أن تحل عن طريق الأسرة إن كانت قادرة على ذلك وتمتلك مهارات حل المشكلة، وفي حال عدم قدرتها يجب الرجوع للمستشار الأسري لمساعدتها على حل مشكلاتها، مؤكداً على أن المستشار لا يحل بل يساعد فقط على الحل، والأسرة هي مصدر التغيير الحقيقي وليس المستشار الأسري. وذكرت شيخة إبراهيم آل سعيد - مستشارة - أن المشكلات الأسرية لها حلها لدى المسترشد وليس المستشار الأسري؛ لأنه داخل المشكلة وعارف بأبعادها وزواياها، والمستشار دوره هنا أنه مستمع جيد وحافظ لأسرار كل ما يصل له من معلومات من المسترشد، كذلك وضع النقاط على الحروف إذا هي تائهة من فكر المسترشد، ويعينه على من سيساعده في حل مشكلته، عبر التنفيس وارتياح النفس من ضغوط الحياة - المشكلات -، وتوضيح ما غمض على المسترشد من أمور، ومواساته وإرشاده إلى الجهات المختصة التي باستطاعتها مساعدته. عدم وعي الزوجين بأهمية المستشار قد يزيد المشكلات ثم حدوث الطلاق د. السعيد دردرة د. أيمن عبدالعال أحمد السعد فؤاد الحمد