تعقيدات المشهد العربي والإسلامي أصبحت تتطلب معالجات مختلفة وفي أطر مختلفة، وهذا ما يفسر الكثير من التغيرات السياسية التي ساهمت السعودية في تعزيزها في المشهد السياسي العربي والإسلامي.. نجحت قمم مكة في تحقيق ثلاثة أهداف مهمة تبلورت على شكل معايير سياسية تكونت منها النتائج النهائية لهذه القمم، لقد استطاعت قمم مكة أن تدفع بإيران في زاوية ضيقة عندما خرجت جميع القمم الثلاث بإدانات للسلوك الإيراني وهذا يحدث للمرة الأولى أن يدين الخليج والعرب والمسلمون إيران بهذه الصورة، الهدف الثاني دفعت قمم مكة الثلاث مشاركيها إلى تغيير التفكير التقليدي حول سياسات الحماية المتبعة في هذه الدول، وسمحت هذه القمم بالتفكير الجدي بوجود فرص كبيرة لتبني مفهوم الشراكة الاستراتيجية وحماية الأمن والاستقرار بين هذه الدول، الهدف الثالث يدور حول التأثير الذي تمتلكه السعودية لبلورة الاتجاهات في السياسة الخليجية والعربية والإسلامية، فالسعودية بهذه القمم عملت على مواجهة الكثير من تحديات وتعقيدات المشاهد الثلاثة الخليجي والعربي والإسلامي. السعودية التي تعود وبقوة إلى الواجهة في القيادة العربية في جوانب الأمن والاستقرار عبر هذه القمم تكون قد تجاوزت مرحلة ما بعد الثورات العربية ذات الأثر الكبير على الصيغة التاريخية للمعالجات السياسية المعتادة في المساحات العربية والإسلامية، فتعقيدات المشهد العربي والإسلامي أصبحت تتطلب معالجات مختلفة وفي أطر مختلفة، وهذا ما يفسر الكثير من التغيرات السياسية التي ساهمت السعودية في تعزيزها في المشهد السياسي العربي والإسلامي. هذه القمم الثلاث استطاعت أن تزيل الضبابية التقليدية في تحديد الموقف من إيران ودفعت إلى نشوء معادلة سياسية أكثر وضوحاً حيث حلت إيران في موقعها المفترض كطرف في معادلة سياسية تؤكد أن إيران هي طرف تسبب في الأزمات السياسية والأمنية ودعم القلق والتدخلات في مساحات جغرافية متعددة، وعلى الطرف الآخر دول خليجية وعربية وإسلامية ترغب في معالجة هذا الوضع عبر تبني موقف موحد ومتشدد تجاه الطرف الإيراني كمهدد للأمن والاستقرار في المنطقة. السؤال المهم يقول كيف دان الجميع إيران في قمم مكة؟ وكيف تجاوزت هذه الدول مرحلتها في تحديد مصدر الخطر؟ الواقع أن الثورات العربية كشفت أن الأزمة الراهنة في الدول التي تتدخل فيها إيران أو تقيم فيها ميليشيات عسكرية أدت إلى ظهور مخاطر عميقة يصعب التنبؤ في كيفية إزالتها من الخارطة السياسية العربية مستقبلاً كما في دول عربية، وهنا تكمن الخطورة وهنا ولدت الدوافع الحقيقية لمواجهة النظام الإيراني الذي تمكن خلال الأربعة عقود الماضية من تفعيل مقومات أيديولوجية ودعم غير عادل من دول كبرى كما حدث في عهد الرئيس الأميركي الأسبق أوباما، الذي وقع اتفاقية السلاح النووي مع إيران ثم منحها هدية كبرى بأن أفرج عن أكثر من مليار دولار تسلمتها إيران. ما بعد قمم مكة لن يكون كما هو قبلها ففرص الحرب أو فرص التفاوض تولد في هذه المرحلة بدافع كبير نحو تحقيق الأهداف التي أدت إلى وصول العالم إلى هذه المرحلة، فالاحتمالات يصعب التنبؤ بها ومنها أن تساهم هذه المرحلة وتلك المواقف العربية والإسلامية وكذلك الضغط الأميركي والدولي على إيران إلى أن تجبر طهران على إصلاح نفسها تحت تأثير التهديدات العسكرية والمواقف السياسية. لقد استطاعت السعودية عبر هذه القمم أن تنقل آليات التفكير العربي والإسلامي إلى مرحلة المعالجة الفعلية للمواقف، فالواقعية السياسية تتطلب من العالم العربي والإسلامي معالجة التأثيرات الإيرانية على هذه الدول من خلال ما يحدث على الواقع وما يستقر داخل الوعي العربي والإسلامي من أن إيران أصبحت دولة لا بد من معالجة انفراطها السياسي والعسكري والإيديولوجي في المنطقتين العربية والإسلامية. العوامل السياسية التي طرحتها قمم مكة تشير إلى أنه لم يعد متاحاً للأزمة الإيرانية وللنظام الإيرني من الدخول من الباب الخلفي سواء في أزمتها النووية أو أزمة سلوكها السياسي حيث التدخلات ونشر الفوضى في المنطقة، قمم مكة طرحت الخيارات الفعلية والصورة النهائية للموقف العربي والإسلامي متجاوزة بذلك ادعاءات إيران في جميع الاستحقاقات التي كانت تنسبها لنفسها سواء في مجال التدخل في الدول العربية عبر بوابة الدعم والمساعدة، أو في مجال القضية الفلسطينية عبر بوابة المقاومة والدفاع عن القضية الفلسطينية. قمم مكة الثلاث تحت قيادة سعودية خالصة ساهمت في تحول جذري لبلورة مفهوم الاشتراطات من أجل تحقيق النتائج كمنهج سياسي فاعل من أجل الوصول إلى وحدة الاتجاه عربياً وإسلامياً، فالأزمة لم تعد تحتمل مساحات دبلوماسية مطاطة، والنظام العربي والإسلامي لا يحتمل تشاؤماً جديداً فيما أحدثته إيران خلال الأربعة عقود الماضية، لذلك جاءت الاشتراطات العربية والإسلامية لتضع النظام الإيراني أمام الخطوط السياسية الأكثر وضوحاً حيث يمكن لإيران إن رغبت ولادة نفسها من جديد كدولة طبيعية لا تعاني من تشوهات أيديولوجية أو سلوكيات ثورية.