حققت المملكة العربية السعودية أخيرا حراكا ثقافيا غير مسبوق، شمل عديدا من المناشط الفكرية والثقافية والفنية، وذلك في فترة زمنية قصيرة، بدعم كبير من حكومة خادم الحرمين الشريفين، ومتابعة مستمرة من سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان حفظهم الله، واهتمام ملحوظ في إبراز تراث المملكة والنشاط الثقافي الفكري والفني. وشهدت المملكة منذ تولي سمو الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد نمواً كبيراً على الصعيد الثقافي، جعلها وجهة للباحثين عن العالم القديم، وفرصة للمشاركة في المناسبات الثقافية التي تبنتها وزارة الثقافة وكانت لها أصداء واسعة على المستوى العالمي، ولم تكن المملكة تحظى بهذه المكانة المرموقة عالميًا من دون تخطيط وتطبيق لأهداف رؤية 2030 التي رسمها سموه الكريم بدقة ووضوح حتى بدأت بوادرها تظهر وتتحقق لتصل الثقافة السعودية إلى كل الدول من أقصاها إلى أقصاها، وتنشر التراث الإسلامي الذي يحمل التسامح والتعايش واحترام الآخر. ولأهمية التبادل الثقافي بين الشعوب، جاءت فكرة جائزة محمد بن سلمان للتعاون الثقافي، التي تعنى بتكريم المتميزين من المملكة وجمهورية الصين الشعبية من المبدعين واللغويين، وذلك من خلال أفضل بحث علمي باللغة العربية، وأفضل عمل فني إبداعي، وأفضل ترجمة لكتاب من العربية إلى الصينية. وتجسد هذه الجائزة الالتزام المشترك تجاه بناء الجسور الثقافية بين البلدين، وتطوير التبادل الثقافي، وتعزيز الفرص الفنية والأكاديمية. ولم ينحصر دعم سمو ولي العهد لجزء من أجزاء الثقافة دون الآخر، بل شمل كل أركانها، ومن ضمن ذلك جائزة الملك عبدالعزيز للأدب الشعبي، التي كانت محط أنظار الشعراء والباحثين في الوطن العربي، وهي تهدف إلى الارتقاء بالشعر الشعبي والتراث عموما في أرجاء الوطن العربي، واحتضان المبدعين العرب لأول مرة تحت مظلة الأدب الشعبي. وخلال هذه الفترة الذهبية، توهج في الشمال الغربي من المملكة ضوء ثقافي مشع، سطع من مهد الحضارات والآثار من محافظة العلا، متجسداً ذلك الوهج في شتاء طنطورة، الذي احتضن أنشطة ثقافية وفنية متنوعة، وسط حضور عالمي من فنانين وحرفيين نقلوا مشهداً تراثيًا وتاريخيًا عريقًا لبلدانهم عن محافظة العلا المعروفة بحضارتها القديمة، التي تمتد أكثر من 300 سنة قبل الميلاد، وبرزت معالم هذه المنطقة التاريخية، مثل مدائن صالح والخريبة ونقش زهير بشكل متجدد حتى أصبحت قبلة للسياحة الثقافية. ووجه سمو ولي العهد بتأهيل وترميم 130 مسجداً تاريخياً، ضمن برنامج "إعمار المساجد التاريخية"، الذي تشرف عليه الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني بالشراكة مع وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد، ويمثل البرنامج الوطني لإعمار المساجد التاريخية أحد أبرز البرامج القائمة والفاعلة في حماية التراث العمراني، من خلال ما يشهده من مشروعات يجري تنفيذها حالياً في مختلف مناطق المملكة بهدف الحفاظ على المساجد التاريخية، نظراً لمكانتها العظيمة في الدين الإسلامي الحنيف، ولتميز طابعها المعماري الأصيل، إضافة إلى كونها أحد أهم معالم التراث العمراني في المملكة. ويُعد إنشاء مركز الملك سلمان العالمي للغة العربية من أهم المبادرات النوعية التي تم الإعلان عنها؛ ليلبي تطلعات المثقفين داخل المملكة وفي الوطن العربي، ويأتي هذا المركز ضمن المبادرات الكبرى التي تنفذها البلاد لخدمة اللغة العربية ونشرها وتمكينها، ودليلًا واضحًا لتوجه المملكة إلى الاهتمام بالثقافة واللغة، وتعزيزاً لدورها الريادي العربي والإسلامي. أحد إنجازات مبادرة إعمار المساجد التاريخية تنوع الأعمار في جائزة الأدب الشعبي