في الوقت الذي يواجهُ فيه كثير من مشاهير تطبيق «سناب شات» صعوبات كبيرة في طبيعة المحتوى الذي يمكن عرضه باستمرار لمتابعيهم اتجه بعض الشباب المبدعين لإحياء دور قديم مُتجدّد هو دور الراوي الشعبي: الراوي الذي يحفظ أفضل الحكايات والقصص والأشعار ليقوم بسردها بأفضل أسلوب ممكن لجذب المستمعين، وهو الدور الذي يكاد يندثر اليوم مع تراجع واختلاف دور المجالس التي كانت إلى زمن قريب ملتقى يضم مجموعة من الأشخاص الذين يلتقون بهدف تبادل الأحاديث والاستماع إلى القصص والحكايات وإلى جديد الشعراء، ويكاد يتلاشى دور الراوي أيضاً مع تعدّد وجاذبية وسائل الإعلام والترفيه المتاحة أمام الناس في هذا العصر. فقد برز خلال السنوات الأخيرة عدد من الرواة المميزين عبر «سناب شات»، ومن بين من حقّقوا نجاحاً كبيراً وحظيت حساباتهم بمتابعة واسعة الشاعر بدر اللامي الذي انصب اهتمامه على رواية قصص التاريخ العربي والإسلامي باللهجة العامية، واستطاع مواصلة جهوده في الرواية بتقديم برامج تلفزيونية و»يوتيوبية» جيدة، وقام بإصدار جزء من قصص التاريخ التي يرويها في كتاب مطبوع. ويشترك مع اللامي في تركيزه على القصص التي تتعلق بتاريخ العرب والمسلمين محمد الروقي «موحا» الذي قام بخطوة جديدة وجديرة بالإشادة بتقديم برنامجه الأول (كان) عبر اليوتيوب تزامناً مع هذا الشهر الفضيل، ويُحسب له أيضاً اهتمامه الواضح بتسليط الضوء على جوانب متنوعة من تاريخ الدولة السعودية منذ تأسيسها بأسلوب مُبسّط وجاذب لمتابعيه الذين ينتمي معظمهم لجيل الشباب. ومن الرواة الشباب الذين امتازوا بحسهم الساخر وأسلوبهم المشوق والممتع في رواية القصص نايف حمدان، ويلحظ المتابع أنه يعمد في روايته إلى أسلوب يمكن وصفه بأسلوب «التبهير» الذي لا يلتزم فيه الراوي التزاماً تاماً بنص المرويات، بل يتدخل بإضافة لمساته الخاصة بُغية تحقيق تفاعل أكبر من المستمعين، مع ميله الواضح في الاختيار نحو قصص الشعراء والأدباء العرب القدامى. الملاحظة المهمّة التي أود تسجيلها هنا هي عدم التفات هؤلاء الرواة للقصص والحكايات الشعبية في الجزيرة العربية، مع أنّ مصادرها كثيرة ومتاحة للباحث، علاوة على ذلك فإن تلك المصادر تحوي مادةً غزيرة وممتعة يسهل الوصول إليها واستثمارها من جهة، وسيكون من الجيد المساهمة في نفض الغبار عن تراث ضخم شبه مُهمل من جهة ثانية. وللتأكيد على قيمة هذا التراث نُذكّر بأن الراوي الكبير محمد الشرهان الذي يعد أشهر - وربما أنجح - راوٍ شعبي في الخليج منذ عقود، استطاع أن يحقّق نجاحاً كبيراً وتأسيس قاعدة جماهيرية مُتزايدة باستثماره الجيد لجزء من ذلك التراث، مع أنّ مُهمّة الرواة الجدد ستكون أسهل بكثير من مهمّة الشرهان الذي لم يكن يعتمد على المصادر المكتوبة فقط، بل كان يبذل مجهوداً مضاعفاً في البحث عن الرواة والشعراء المبدعين وإجراء المقابلات معهم وتسجيل أفضل ما لديهم تمهيداً لروايته، وكانت ثمرة جهوده الكثير من الحلقات الرائعة والبرامج الإعلامية الناجحة التي ما زالت تُعرض وتحقق نسبة مشاهدات عالية. محمد الروقي بدر اللامي نايف حمدان محمد الشرهان