من الدول العربية من تجرعت ثمن ما يفعله الإخوان، فتحركت مؤخراً، وبدأت في تعطيل علاقاتها بالكيان التركي، مثل تونس، والجزائر، وليبيا؛ والسودان والتي كانت قد تماهت مع مفهوم الخلافة التركية، وكان حكامها السابقين مغشياً عليهم بالإسلام السياسي وحرية الفساد.. يكثر الكلام في الآونة الأخيرة عن تركيا والتاريخ، وعن تطلعاتها السياسية، التي تسعى إليها حثيثا للعودة بالزمن والواقع لنفس أدوارها السابقة في العالمين العربي والإسلامي، مع الانسلاخ الكامل من ماضيها، بدعوى الديمقراطية والحرية، والالتصاق بالاتحاد الأوروبي، الذي يرفضها لمعرفة سوء نواياها. وبالعودة لأدوار الدولة العثمانية في تكملة أدوار الدولة الإسلامية، بعد زوال دولة العباسيين، فهو أمر مثبت، ولا يمكن إنكاره، والتاريخ يذكر لها تلك التوسعات الجغرافية، التي بلغت أجزاءً من أوروبا الشرقية. غير أن أدوارها في العالم العربي، كانت تحدث بنوع من العنصرية والفوقية المريرة، ضد كل ما هو عربي، حيث سعت الخلافة بكل جهودها لحكم الأمة العربية بالنار والحديد، وعملت كل جهودها لإبقاء العرب في ذيل قائمة البشرية، بمنع العلم، والتضييق على أهل المهن، وتأخير وصول الطباعة، واستخدام مقدرات الشعوب لتحقيق توجهاتها، وما سُخرة حفر قناة السويس بأيدي المصريين، واستمرار قوافل العبودية من أبناء أفريقيا إلا دليل على النظرة التركية للأجناس التي لا تستحق الحياة، من وجهة نظرها السلطانية. وفي عهدنا الحالي، لا يمكن للعقل أن ينكر ما يفعله حزب العدالة والتنمية، ورئيسه أردوغان من محاولات جلية لجذب عقول المثقفين العرب، وتسخير أقلامهم لتأصيل فكرة ضعف العرب، وتشتتهم، وخياناتهم، وعدم قدرتهم على العيش مستقلين، وضرورة عودة الخلافة التركية، لتصبح تركيا الحضن الأمثل لجماعات الإخوان المسلمين، كوسيلة فاعلة للوصول إلى العمق العربي، والتغلغل في جميع قضايا الدول العربية، بنوايا الهيمنة على جهودهم وقرارهم، وزعزعة أمنهم، وتوجيه الإسلام السياسي ليقود الشعوب، ويهز قيمة الحكام، ويساعد المعارضين والثوار، ويسهل مرور الإرهاب من وإلى عموم الدول العربية المجاورة، طمعاً في أن تصبح دولهم كالصريم، تنتظر عودة منجل الخليفة العثماني. وقد استغلت تركيا في الشرق الأوسط، وجود العبث الفارسي، والذي صنعته إيران من خلال أحزابها وميليشياتها المسلحة، في لبنان وسورية واليمن والعراق والبحرين، بيقين أنهم يمهدون السبيل، ويجهزون لها الأرضية، لتحضر في النهاية بثياب المنقذ، وتطردهم بسلاح المذهب، وتحل مكانهم، بقوة التخطيط والحيلة والغدر. العرب ظلوا تائهين في حسن نياتهم، لفترة من الزمان، والمثقف العربي، أصبح منقسماً على ذاته، ففريق يبحث عن استقلالية الدول العربية، وبقائها، وصونها من كل مريد خارجي، وفريق رضعوا أفكار الإخوان، وجعلوا يبررون للأتراك تدخلاتهم، ويشجعونهم، ويمجدون خطواتهم للنيل من العرب متناسين العهد القديم من الذلة، والسخرة، والتخلف. الحلف العربي، المتمثل بالسعودية الجديدة، والإمارات، ومصر، والبحرين، وبقية الدول، التي فهمت الخديعة التركية الكبرى، بدأت في نبذ الإخوان، وتجريم أحزابهم. دول كرامة اتخذت قرارها بالتعامل مع تركيا بمفهوم الند بالند، وعدم المشاركة معها في أي عمل سياسي أو اقتصادي ما لم يكن بوضوح التعامل، وتوازن التكافؤ، وهذا لم يعجب أردوغان، الذي صدّق بأنه البيت العالي. الدول، العربية الأخرى، والتي تجرعت ثمن ما يفعله الإخوان، تحركت مؤخراً، وبدأت في تعطيل علاقاتها بالكيان التركي، مثل تونس، والجزائر، وليبيا، والسودان؛ والتي كانت قد تماهت مع مفهوم الخلافة التركية، وكان حكامها السابقين مغشياً عليهم بالإسلام السياسي وحرية الفساد. حقيقة مشهودة، فتركيا كانت موجودة بشكل أو بآخر في كل كارثة لدولة عربية، وكم حاولت تشويه أدوار السعودية بكل طاقاتها، ولعبت عالمياً بالبيضة والحجر، ظناً منها أنها ستهيمن بعباءة الخلافة، على زمام الأمور، متناسية أن للسعودية من قيادتها الوطنية وشعبها العربي الأصيل، من يفضح ويبطل شرورها، ويمنع تدخلاتها، المريبة، ويعيد تحجيم أدوارها. منطلق القوة الصوتية لتركيا، يرتكز في دولة قطر، المحتضنة لقيادات الإخوان الواهمين بعودة خلافة العجم، وفي الدوحة مفتي الخراب قرضاوي الشر، ولدى تركيا ثقة عظيمة بأن قطر محكومة من الداخل بالقوات التركية المسيطرة على القرار هناك. تلك حكاية عشناها وعرفناها، نحكيها باللسان العربي القوي المبين، لمن لم يسمعها، أو لمن سمعها من قبل بلسان أعجمي تركي، ولم يتمكن من ترجمة معانيها.