لو سقط منك ثلث مبلغ راتبك الذي قمت بسحبه من الصراف، هل ستكترث؟ ستحاول ملاحقة هذه الأوراق الزرقاء المتطايرة في الهواء محاولا إدراك خسارتك؟ متأكد أني سأرى غبار نعليك يملأ الأفق ركضا خلف هذا الثلث.. والثلث كثير. لكننا بشكل شهري نمارس هذه العادة دون شعور منا وأعتقد أننا نمارسها بشكل أكبر في رمضان بسبب العادات الاجتماعية التي كبلتنا بموائد طويلة ينتصف وقت الإفطار وأنت لم تتذوق بعضها وربما تمتلأ معدتك دون أن تتذوقها كلها. الهدر والفقد الغذائي الذي نقوم به يوميا يجعلنا لا نمل من تكرار النصح والمطالبة بتفعيل دور الجميع على مستوى الأفراد والجهات الحكومية في محاولة ضبط هذا الإسراف. فقبل عدة أشهر تم إطلاق مؤشر الأساس للبرنامج الوطني للحد من الفقد والهدر في الغذاء. وهو أحد مبادرات التحول الوطني 2020. هذا المؤشر بحد ذاته نعمة عظيمة لأنه ولأول مرة في السعودية يتم القيام بدراسة بحثية بهذا الشكل تغطي كافة مناطق المملكة وما يقارب 30 مدينة ومحافظة، لجمع العينات ورصد الهدر والفقد في الغذاء على جميع مراحل الإنتاج والنقل والتخزين والاستهلاك. هذه المبادرة التي أطلقتها وزارة الزراعة عن طريق المؤسسة العامة للحبوب، أعلنت أرقاما مهمة لنسب الهدر والفقد، والفرق بينهم أن هناك طعاما معدا للاستخدام البشري يتم خسارته خلال المراحل التي تسبق وصول المُنتج للمستهلك النهائي (العميل) وهناك الخسائر التي يتسبب فيها المستهلك نفسه. فنسب الهدر والفقد الإجمالية في السعودية تبلغ ما يقارب 33 % من إجمالي الطعام. لذلك سألت في بداية المقال هل ستكترث؟ ونسبة الهدر في الأطعمة تختلف حسب نوعها فمثلا البطاطس في السعودية نخسر 42 % من الإنتاج وهذا يعني أننا لو أنتجنا 1000 حبة بطاطس في السعودية فإننا نرمي 420 حبة منها مباشرة في القمامة. والأرز 34 % والتمور 21 % والخبز والدقيق 30 % والطماطم 40 % والدجاج 29 % وإجمالا فنصيب الفرد الواحد في السعودية من هذا كله 184 كيلو من الطعام يتم خسارته سنوياً! وتذكر في كل مرة تقوم من سفرة الطعام وتنظر لما تبقى منها أنك جزء لا يتجزأ من المشكلة ومن الرقم 184 كيلو تحديدا، هذا الطعام المهدر لا يتحمله الفرد لوحده فهناك طعام يتلف خلال مرحلة الإنتاج والتوصيل والتخزين والعرض وهو ما تتحمله شركات الإنتاج والدعم اللوجستي ويقع على عاتقها أن تُحسّن من بيئة عملها لتقليل هذه النسب. حيث إن 184 كيلو السنوية ينقسم لقسمين 105 كيلو تسبب بها المستهلك النهائي للسلعة و79 كيلو تسببت بها شركات الإنتاج والدعم اللوجستي. وقد كتبت مقالا قبل عامين يتحدث عن هذه المشكلة عالميا بعنوان: كيف نملأ 730 استاداً رياضياً؟ وستنصدم من حجم الأرقام الفلكية التي وردت بالمقال.