طرحت الرؤية مفهومًا جديدًا للإنسان الجديد؛ الإنسان المتطور والمفكر والفعال، وأثّرت تأثيرًا عميقًا في الوعي المجتمعي وبالذات الجيل الحالي، فهذا الجيل يتلقى التأثيرات الإيجابية بصورة مباشرة وفعّالة، كما أن كفاءته الذهنية تمكنه من التفاعل مع الأفكار الجديدة.. في هذا المنعطف التاريخي من حياتنا جاءت رؤية 2030 نافذة حضارية ومنصة إشعاع تنقلنا إلى واقع حضاري جديد، فالإنجازات التي كانت في مستوى الأحلام صارت الآن في متناول اليد. ولذلك جاءت الرؤية في أوانها لترسم ملامح صورتنا الحقيقية، ولذلك لا ينبغي فهمنا في سياقنا القديم فحسب وإنما في سياقنا القديم والجديد. فدواعي التنوع لدينا اليوم كثيرة وقوية وما علينا فعله هو مجاراة الحياة، فالغاية من الرؤية ألا نظل على حالنا. فالحياة تتحرك من حولنا وما علينا إلا أن نواصل الحياة في احتفاء أبدي بالحياة ليس من أجل أن نكون شيئًا وإنما من أجل أن نصنع شيئًا فعالًا، عند ذلك ندرك تطبيقات الرؤية على الواقع في محاولة إلى إحالة العلاقة ما بين التقليد والحداثة إلى تفاعل خلاق. لقد أحدثت الرؤية ظروفاً ملائمة للنقلات النوعية، لقد كانت بمثابة الحقل الذي أنبتت الأفكار الجديدة لتفسح المجال لتطلعات جديدة، لقد قدمت تصويرًا صادقًا للحياة الفاعلة وذلك عن طريق إدراك الحياة إدراكًا شاملًا وصادقًا.. ولذلك لابد من الاعتراف بأن الرؤية أعادت المجتمع إلى مجرى الحياة الحقيقي داخل حدود الواقع. لقد طرحت الرؤية مفهومًا جديدًا للإنسان الجديد.. الإنسان المتطور والمفكر والفعال وأثّرت تأثيرًا عميقًا في الوعي المجتمعي وبالذات الجيل الحالي، فهذا الجيل يتلقى التأثيرات الإيجابية بصورة مباشرة وفعّالة كما أن كفاءته الذهنية تمكنه من التفاعل مع الأفكار الجديدة. ولأن الكثير من الأفكار ذات طابع تجريبي فقد دخلت في تنافس مع الأفكار التقليدية السائدة. فكل مرحلة زمنية تتميز بخصائصها، مصالحها، قضاياها، أفكارها، جيلها، وحتى أخلاقها، فطبيعة الإنسان في تبدل دائم، فالتطور صار وظيفة التاريخ.. واليوم تاريخ أي مجتمع ينظر إليه على أنه جزء من تاريخ العالم، لقد اتحدت وتفاعلت عوامل التاريخ والجغرافيا لتفسحا المجال لرؤية واقعية. فقد لاحظ الأمير محمد بن سلمان أننا نعيش في عالم متغير ولابد أن تختلف وسائلنا للتفاعل مع هذا العالم المتغير، وأدرك حاجة المجتمع إلى التغيير الذي يستجيب له المجتمع.. فكانت الرؤية نقلة نوعية في الزمن السعودي الحديث وكانت واحداً من الإنجازات الحضارية في العصر الحديث ودليلًا على بعد إنساني وعصري يضاف إلى مكملات الصورة لهذا الشاب الملهم. حقًا لقد نجحنا في بناء رؤية جديدة متماسكة لا تقيم تعارضًا بين التراث والمعاصرة وثوابت الشخصية السعودية، لقد نجحت تجارب التحديث بصورة تدريجية وأحدثت تغييرًا إيجابيًا في حياتنا.. والآن تجاوزنا الواقع وبدأنا نركز على ما يحدث بعده، تلك هي قصتنا مع التحول الوطني الذي دارت عجلته بكامل قوتها وتصاعدت في الوطن كله لنعلن للعالم أننا نرتاد الحقول البكر. ويثبت الواقع التاريخي أن الرؤية خلقت تجانسًا ما بين قيم الانتماء الديني والوطني وقيم الانفتاح الإنساني والتي تحيل إلى معنى التكامل في أعلى صورة. لقد كانت الرؤية نهجًا رصينًا تشكلت عبر خبرات وتجارب وقراءات وتأملات، وكانت بداية فعّالة لحركة تحول حضاري في التاريخ السعودي الحديث سواء على صعيد بناء المجتمع والتطلعات الجديدة أو التحولات الحضارية والعلاقات الدولية.. فالاستقراء الموضوعي يؤكد على أن أي رؤية أو فكرة ما لا تنشأ مكتملة في لحظة ميلادها وإنما تتطور وتنمو في سياق تراكمي لتكسب ملامح أوضح ولكن فقد نجمت رؤية وولدة ثقافة جديدة. يقول المفكر عبدالله العروي: إن كل الأفكار مهما اختلفت أصولها أو ظروف نشأتها تصبح في حالة استعمالها جزءاً من الواقع الاجتماعي، ولكن على شرط أن تدخل الأفكار في إعادة إنتاج عند ذلك يكون الاستخدام مشروعًا. لقد تخلقت الرؤية في الوعي الاجتماعي إلا أنها لم تتخلق في الوعي الثقافي عند بعض كبار منظرينا رغم أنها أفسحت الطريق للمثقف والمفكر.. إلا أن مشكلة المثقف أنه يريد أن يكون عصرانيًا في أحلامه وآماله وتقليديًا في تفكيره وسلوكه، ولذلك يختلط في ذهنه المنطق الحديث بالمنطق التقليدي. لقد كرست فيه تجربة الحداثة منطق الفكر الانتقائي، الذي أدى به إلى العجز عن إدراك الواقع كما هو. وهي نتيجة استخلصها المفكرون الغربيون من تجارب الثقافات التي شكلت واقعها الثقافي بالانتقائية تفاعلت ظاهريًا لكن التخلف كواقع لم يتغير فيه شيء. لا يزال أغلب المثقفين يميلون إلى الانتقائية رغم أن هذا التوجه يخدع المثقف ويجعله يواجه عجزًا مستمرًا عن الانطلاق والتغير رغم أنه في واقعه يريد الانطلاق ولكن بأساليب الاندفاع الرومانسي وليس بأساليب التطور التاريخي، وعند ذلك تصبح الحصيلة المستعارة لدى المثقف ليست ذات قيمة في درج الصعود الفكري. فهل يعني هذا القول أن المثقف لم يستوعب أفكار الرؤية أو أن المقدرة على التفكير هي المعضلة خصوصًا الأفكار النوعية. في رؤية كنا نظن أنها توحد المثقفين فكريًا إذ لم يجد المثقف بعد الثقة في نفسه التي تجعله يقود أفكار الرؤية أو على الأقل يسايرها عن وعي يتيح له أن يتفاعل معها تفاعلًا ذا أثر إيجابي أو حتى يعيد إنتاجها وتحقيقها للاستخدام الأمثل، وهذا يتمثل في الموقف الفكري حول بنية المثقف الذي يتمثل التغير والمحافظة في آن واحد ولكن ليس المقصود على وجه القطع إدانة كل المثقفين.